للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التدرب على كيفية مخالفة الهوى وطاعة المولى عز وجل]

السبب الرابع مما يوصل إلى تقوى الله عز وجل: أن تتدرب كيف تخالف هواك وتطيع مولاك؟ قال الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله عز وجل فذكرها بالله عز وجل، فإذا لم تنزجر فذكرها بمروءة الرجال؛ لأن المعاصي تخالف المروءة.

كما قال عنترة: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها وعنترة شاعر جاهلي لم يسمع قول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:٣٠]، ولكنه علم بفطرته أن إطلاق البصر خلاف المروءة.

فيقول: إذا دعتك نفسك إلى معصية الله عز وجل فذكرها بالله؛ فإن الله عز وجل أهل لأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر؛ فإن أبت فذكرها بأخلاق الرجال، فإن أبت فذكرها بالفضيحة، كيف إذا علم الناس به -وهو مستور الحال- أنه يقع في هذا الذنب.

يقول: فإن أبت فاعلم أنك انقلبت الساعة إلى حيوان.

أي: لا تستحق أن تكون إنساناً متقياً، ولا تستحق أن تكون مجرد إنسان عنده مروءة وإن لم يكن عنده دين، واعلم أنك انقلبت الساعة إلى حيوان.

يقول ابن القيم كلاماً أقيم وأنفس من ذلك، يقول: ملاك الأمر كله في محبة الله عز وجل والشوق إليه وإرادة وجهه الكريم، فإن لم تكن لك همة عاليه تدعوك إلى ذلك فتذكر ما في الجنة من نعيم مقيم للأبرار، وأن من شرب الخمر في الدنيا لن يشربها في الآخرة، ومن لبس الحرير في الدنيا لن يلبسه في الآخرة، فإن لم تكن لك همة تدعوك إلى ذلك، فتذكر ما في النار من الجحيم ومن الأغلال ومن الحميم.

يقول: فإن لم تكن لك همة تدعوك إلى ذلك فاعلم أنك خلقت للجحيم لا للنعيم، والعياذ بالله.

فينبغي للعبد أن يتدرب على كيفية مخالفة هواه، وأن يسأل نسفه: لماذا يغلبه الشيطان دائماً ويقع في معصية الله عز وجل؟ ولماذا لا ينتصر هو على الشيطان، ويفعل ما يتقي به ربه عز وجل، ويفعل ما يحبه الله عز وجل؟ والله تعالى جعل للعبد سبيلين اثنين لا ثالث لهما، إما أن يكون متبعاً لشرع الله عز وجل، وإما أن يكون متبعاً للهوى، فقال عز وجل: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦]، وقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠]، وجعل الله عز وجل اتباع الهوى هو سبيل الوصول إلى النار، فقال عز وجل: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٧ - ٤١].

والهوى كما قال العلماء: هوان سرقت نونه.

نظمه الشاعر فقال: نون الهوان من الهوى مسروقة فإذا هويت فقد لقيت هوانا فالنفس إذا استعملت التقوى تقوى بها، وإذا اتبعت الهوى هوى بها.

قال الإمام أحمد: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما يخفى عليه يغيب راود رجل أعرابية عن نفسها وقال لها: والله ما يرانا إلا الكواكب.

فقالت: فأين مكوكبها؟! وسئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق إلى ما تنظره.

فالعبد إذا استحضر أن الله عز وجل ينظر إليه فإنه عند ذلك يستحيي من الله عز وجل.