[صفات أهل التقوى والإيمان]
فنبأ القوم غريب، وخبرهم عجيب، أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه، وبين شيئاً من صفاتهم ومما يتميزون به فقال عز وجل في بداية سورة البقرة: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:١ - ٣].
فأول ما يميز المتقين أنهم يؤمنون بالآخرة إيماناً جازماً، وكل مسلم يؤمن بالآخرة، ولكن هؤلاء تعمق الإيمان بالآخرة في قلوبهم، فهم كأنهم يشاهدون الآخرة ليل نهار، حساباتهم أعمالهم وأقوالهم، وإنما تنضبط على حسب إيمانهم بالآخرة، فهل هذا القول وهل هذا العمل مما ينجيهم في الآخرة؟ إيمانهم بالآخرة هو الذي يجعلهم يقيمون الصلاة على وجهها، ويؤدون الزكاة، ويؤمنون بما أمر الله عز وجل بالإيمان به، وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
من صفاتهم كذلك: أنهم يعفون ويصفحون، كما قال عز وجل: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:٢٣٧].
وقال عز وجل: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:٢٢].
وقال عز وجل: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤].
فمن صفات المتقين: أنهم يعفون ويصفحون، ولذلك هم أولى الناس بعفو الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كان رجل يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لغلمانه تجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عز وجل عنه).
فمن صفات المتقين أنهم يعفون ويصفحون.
ومن صفات المتقين كذلك: أنهم يعدلون في حكمهم، كما قال الله عز وجل: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨].
فهم يعدلون في أقوالهم وفي حكمهم.
ومن صفاتهم كذلك: أنهم أصدق الناس إيماناً، وأصدق الناس أقوالاً، وأصدق الناس أعمالاً، كما قال عز وجل: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [الزمر:٣٣].
فهم أصدق الناس، وأول الناس تصديقاً للمرسلين، فهم أصدق الناس في الأقوال وفي الأعمال وفي الإيمان.
ومن ذلك: أنهم يكونون دائماً مع الصادقين، كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩].
والصادقون قيل: هم الرسل، وقيل: هم الصحابة رضي الله عنهم، وقيل: قد وسم الله المهاجرين بالصدق، ووصفهم الله بالصدق، ثم أمر الأنصار أن يكونوا تبعاً للمهاجرين، وهذه الآية مما استدل به أبو بكر رضي الله عنه على استحقاق المهاجرين للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل وصف المهاجرين بأنهم هم الصادقون، ووصف الأنصار بأنهم هم المفلحون، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩].
فقال: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء.
فمن علامات التقوى أن نكون مع الصادقين مع الصحابة رضي الله عنهم في عقيدتهم وفي إيمانهم، وفي أقوالهم، وفي منهجهم، في فهم الكتاب والسنة.
كذلك من علامات الصدق ومن علامات التقوى أن نكون مع الصادقين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً.
أهل التقوى ليسوا معصومين من الذنوب والخطايا، وليس هناك معصوم إلا من عصمه الله عز وجل من الأنبياء، ولكنهم لا يقارفون الكبائر، ولا يصرون على الصغائر، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١ - ٢٠٢].
فأهل التقوى إذا مسهم طائف، ما قال: إذا وقعوا في كبيرة؛ لأنهم منزهون عن الكبائر، (إذا مسهم طائف) إذا وقعوا في هفوة أو صغيرة، فإنهم شديدو الحساسية، قلوبهم منورة بالإيمان، يحسون بأدنى ريبة وبأدنى معصية، ويتوجعون لها، فيتوبون ويرجعون إلى الله عز وجل.
يتذكرون وعد الله عز وجل ووعيده، فيرجعون إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.
أما إخوان الشياطين فإنهم -أي: الشياطين- يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، يتابع بين المعاصي وبين الكبائر، ولا يتذكر، ولا يعود إلى الله عز وجل، ولا يتوب إلى الله عز وجل، وقال تعالى: {وَالَّذِ