[موقف أم سليم الأنصارية في الصبر والرضا]
من المواقف الإيمانية في الصبر: موقف أم سليم امرأة أبي طلحة رضي الله عنهما.
عن أنس رضي الله عنه قال: (اشتكى ابن لـ أبي طلحة فمات وأبوه أبو طلحة خارج، فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً -قيل: غسلته وكفنته، وقيل: تزينت له- وجعلت ابنها في جانب البيت، فلما جاء أبو طلحة قال: كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح).
فلم تستقبله عند دخوله بالمصائب والمشاكل، بل جعلت تهدئ من نفسه ثم تخبره في الوقت المناسب، مع أن النساء أقل صبراً بالنسبة لمرض الأولاد أو موت الأولاد، ولكن هذه المرأة تضرب هذا المثل العظيم جداً في الصبر والأدب، فقال أبو طلحة: (كيف الغلام؟ قالت: قد هدأت نفسه، وأرجو أن يكون قد استراح).
وظن أبو طلحة أنها صادقة، وهي فعلاً صادقة، ولكنها عرضت بالكلام.
قال: (فباتا، فلما أصبح اغتسل -إشارة إلى أنه أصاب منها- فلما أراد أن يخرج أعلمته)، يعني: صبرت كل هذا الوقت، فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات.
وفي بعض الروايات: أنها قالت له: (لو أن أحداً وضع عندك وديعة ثم أراد أن يستردها، أكان يحزنك ذلك؟ فقال: لا، فأخبرته بعد ذلك) فمهدت له الخبر بضرب هذا المثل.
قال: (فلما أراد أن يخرج أعلمته أنه قد مات، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعل الله أن يبارك لكما في ليلتكما، فقال رجل من الأنصار: فولد له ولد فرأيت له تسعة أولاد كلهم قد حفظوا القرآن).
فرزقت ولداً وسمي عبد الله، وحنكه النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له، وكان من ذرية هذا الولد هؤلاء القراء التسعة.
وفي بعض الرويات: أنها جاءت بغلام حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله، والذي كان من سلالته الإخوة القراء.
فالحاصل: أن المواقف الإيمانية ترفع العبد في الدنيا والآخرة.
قال الحافظ: وقوله: (هيأت شيئاً) قال الكرماني: أي: أعدت طعاماً لـ أبي طلحة وأصلحته، وقيل: هيأت حالها وتزينت.
وقال الحافظ: بل الصواب أنها هيأت أمر الصبي بأن غسلته وكفنته، كما روي في بعض الطرق صريحاً.
وقوله: (فلما أصبح اغتسل) كناية عن الجماع.
فهذا موقف إيماني من أم سليم رضي الله عنها، مع أن النساء أشد هلعاً وجزعاً في مثل هذه المواقف، ولكن الإيمان يغير طبائع النفوس، ويعلو بهمم العباد، ويرفعهم في الدنيا والآخرة.
وعمت بركة هذا الموقف الإيماني ذرية أبي طلحة وأم سليم ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان في أولاد أولادها تسعة كلهم ختم القرآن، فليتأس الشخص وليتعلم أوصاف السابقين الأولين، وليعلم أن الرجال أولى بهذا الصنيع.