قوله:(احفظ الله) أي: احفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه، والحفظ نوعان: أما النوع الأول: أن يحفظ الله عز وجل على العبد دنياه، وأن يحفظ الله عز وجل على العبد جوارحه، وأن يمتعه بسمعه وبصره وقوته، ويحفظ أولاده.
وثب أحد العلماء وثبة شديدة وكان قد تجاوز المائة فعوتب على ذلك فقال: جوارح حفظناها في الصغر، فحفظها الله عز وجل علينا في الكبر.
وقال سعيد بن جبير لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك، متأولاً قول الله عز وجل:{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف:٨٢]، فصلاح الآباء يكون سبباً في حفظ الأبناء، وقد يكون حفظ الله عز وجل بشيء تكرهه النفوس لفقر أو لسجن أو لمرض، نسأل الله تعالى العافية، فيتضرر العبد بذلك وما هو إلا حفظ الله عز وجل كما ورد في بعض الآثار:(إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الصحة، وإني إن أسقمته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم وإني إن أصححته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الغنى وإني إن أفقرته أفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا الفقر وإني إن أغنيته أفسده ذلك، إني أدبر أمر عبادي بعلمي بما في قلوبهم إني عليم خبير).
فالله عز وجل قد يبتلي العبد ببلاء ويكون هذا البلاء هو عين النعمة وعين الحفظ للعبد، وإن العبد ليتهيأ للإمارة ويتهيأ للأمر من أمر الدنيا فالله تعالى يقول لملائكته:(اصرفوه عنه فإني إن يسرته له أدخلته النار) ويظل العبد يتبرم وما هو إلا حفظ الله عز وجل، فهذا النوع الأول من الحفظ عباد الله، أن يحفظ الله عز وجل على العابد جوارحه، وأن يمتعه بسمعه وبصره وقوته، وأن يجعل ذلك الوارث منه.
النوع الثاني من الحفظ عباد الله: أن يحفظ الله عز وجل للعبد إيمانه؛ كما قال الله عز وجل في حق يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}[يوسف:٢٤]، وكما قيل في قول الله عز وجل:{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}[الأنفال:٢٤] قالوا: يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار.
فهذا حفظ الله عز وجل للعبد جوارحه، ويحفظ له قوته وأولاده، ويحفظ له دينه حتى يموت وهو متمسك بالإسلام:(احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) أي: تجده معك.