[إخباره عن حقائق علمية عرفت بعد نزوله بمئات السنين]
الوجه الرابع عباد الله: أن القرآن أخبر بأشياء قد ثبتت الحقائق العلمية أنها كذلك، قال عز وجل: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
أجمع علماء الفلك: أن المجرة التي فيها المجموعة الشمسية تشتمل على بلايين من النجوم والكواكب والأجرام السماوية، وأن بينها كمية عظيمة من الدخان والغبار، وأن الدخان والغبار هو المادة الأولية لهذه الكواكب والنجوم، فكيف عرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان؟ {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
ومن ذلك: قوله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥]، من أين عرف النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يصعد في السماء يختنق لقلة ضغط الهواء في طبقات الجو العليا، ولقلة نسبة الأوكسجين، حتى إن رواد الفضاء لا بد أن يحملوا على ظهورهم أنبوبة أوكسجين؟! فهذا يدل على أن القرآن كلام الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علماً.
ومن ذلك: قوله عز وجل: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:٨٨]؛ فإن الناظر إلى الجبل الذي بجواره لا يعتقد إلا أنه ساكن، فهو ساكن أمام نظره ولكن الذي ينظر إلى الكرة الأرضية من علٍ، من الفضاء الخارجي يرى الكرة الأرضية وهي تدور.
فمن الحقائق التي قد ثبتت عند علماء الفلك: أن الكرة الأرضية تدور حول نفسها كل أربعة وعشرين ساعة، وتدور كذلك حول الشمس، فدورانها حول نفسها تجعل الذي ينظر إليها من الفضاء الخارجي يرى هذه الجبال وهي تمر مر السحاب، فكيف عرف النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قبل أربعة عشر قرناً من الزمان؟ فهذا يدل على أن القرآن كلام الله عز وجل الذي أحاط بكل شيء علماً، إيجازه وإعجازه، وبلاغته الرائقة، وجزالته الموفقة.
كذلك: ما في القرآن من إخبار بالمغيبات، وما تحدى الله عز وجل به الخلق جميعاً الإنس والجن على أن يأتوا بسورة من مثله.
كذلك إخبار القرآن بأشياء من الحقائق العلمية التي ثبتت بعد ذلك، ولم تكن معروفة في العهد الأول، خاصة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولم يأخذ شيئاً من أهل الكتاب، وإنما علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى، أي: أخذ علمه من عند الله عز وجل، لم يتتلمذ على أحد من أهل الكتاب، ولم يتتلمذ على أحد من البشر، بل أدبه الله عز وجل وعلمه، فكانت معجزة القرآن هي المعجزة العظمى لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليس معنى ذلك: أنه ليست له معجزات حسية، ولكنه بالإضافة إلى هذه المعجزة العظمى له من المعجزات الحسية الكثيرة التي فاق بها جميع الأنبياء.
وقد أشرنا إلى ذلك إجمالاً في خطب سابقة، ولكننا سوف نشير إلى ذلك بمزيد من التفصيل، وكيف أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء من الغيب في حياته وحدثت كما أخبر بعد أن لحق بالرفيق الأعلى.
وهذا الموضوع من الأهمية بمكان، لأنه كلما ازداد علمنا بعلامات النبوة ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم نزداد إيماناً به، ونزداد حباً له، ونزداد نصراً لشريعته، وتمسكاً بسنته.
اللهم ثبتنا على الإسلام قائمين، وثبتنا على الإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين.
اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم اهدنا واهد بنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.