للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغاية من خلق الإنسان]

يقول رحمه الله: أيها الناس! إنكم لم تُخلقوا عبثاً، ولم تتركوا سدى.

قال الله عز وجل: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:٣٦]، أيحسب الناس أن يتركوا سدى بلا حساب ولا عقاب؟ أو يتركهم الله عز وجل دون أن يأمرهم بأوامر وينهاهم عز وجل عن نواهي؟ {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:١١٥ - ١١٦]! إن الله عز وجل لم يخلق خلقه عبثاً ولم يتركهم سدى، بل خلقهم لأمر عظيم وخطب جسيم، عرض الأمانة على السماوات والأرض فأبين وأشفقن منه إشفاقاً ووجلاً وقلن: ربنا إن أمرتنا فسمعاً وطاعة، وإن خيرتنا فعافيتك نريد لا نبغي بها بدلاً، وحملها الإنسان على ضعفه وعجزه عن حملها، وباء بها على ظلمه وجهله، فألقى أكثر الناس الحمل عن ظهورهم لشدة مئونته عليهم وثقله، وصحبوا الدنيا صحبة الأنعام السائمة، لا ينظرون في معرفة موجدهم وحقه عليهم، ولا في قلة مقامهم في هذه الدنيا الفانية، وسرعة رحيلهم إلى الآخرة الباقية، فقد ملكهم باعث الحس، وغاب عنهم داعي العقل، وشملتهم الغفلة وغرتهم الأماني الباطلة والخدع الكاذبة، فخدعهم طول الأمل، وران على قلوبهم سوء العمل، فهم في شهوات الدنيا ولذات النفوس كيفما حُصِّلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت أخذوها، إذا بدا لهم حظ من الدنيا بآخرتهم صاروا إليه زرافات ووحداناً، ولم يؤثروا عليه فضلاً من الله ولا رضواناً: {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:١٩].

عباد الله! إن الله عز وجل خلقنا من أجل أن نعرفه عز وجل بأسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته، ومن أجل أن نعبد الله عز وجل وحده لا شريك له، قال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].