[فضل الصبر في السنة النبوية]
أما أدلة السنة على فضل الصبر والصابرين، فمنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يصب منه).
وأنتم تجدون أصحاب الدنيا والشهوات والمال والجاه والسلطان عندهم الصحة والعافية والمال والجاه، فيستعينون بذلك على المعاصي فيزدادون غياً وتمادياً، وتجدون أهل الإيمان غالباً عندهم الأمراض والفقر والأوجاع، فليس إعطاء الدنيا دليلاً على محبة الله عز وجل، بل قال الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} [القلم:٤٤].
قال بعض السلف: يعطيهم النعم ويمنعهم الشكر.
وقال بعضهم: كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من مصيبة تصيب المؤمن إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها).
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً).
وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى.
قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي.
فقال: إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، لكن ادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها).
فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن صبرها على هذا المرض يوجب لها الجنة، وأنها إذا صبرت عليه تدخل الجنة، وإن شاءت أن يدعو لها فسيدعو لها، فاختارت الصبر: ثم قالت: إني أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف، فدعا لها صلى الله عليه وسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة).
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه -يعني: عينيه- فصبر عوضته منهما الجنة).
فبين أن جزاء الصبر على هذه المصيبة الجنة؛ لأنها مصيبة عظيمة، فمن ابتلي بهذا البلاء فجزاؤه الجنة إذا صبر.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، إلا أخلف الله له خيراً منها).
وهذا إنما يكون عند الصدمة الأولى، كما في الحديث: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، يعني: محك الصبر الحقيقي عند الصدمة الأولى؛ لأن الإنسان يسلم بقضاء الله بعد ذلك، وإنما يفعل الصابر في بداية المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام.
فقدر الله عز وجل واقع مثل السيف، فالصبر الحقيقي أن الإنسان يصبر عند نزول البلاء.
والناس بعد ذلك يسلمون، فمن لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم، فكما أن البهائم تكون مستسلمة لقضاء الله عز وجل وقدره ولما هي فيه، فالناس بعد ذلك يستسلمون، ولكن الصبر الحقيقي الذي يثاب عليه المرء إنما يكون عند الصدمة الأولى.
قالت أم سلمة: (فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ ثم أني قلتها، فأخلف الله لي رسوله صلى الله عليه وسلم).