[حفظ الله عز وجل للعبد]
فمن حفظ الله عز وجل في سمعه وبصره ولسانه وفرجه وحافظ على حدود الله عز وجل، وحافظ على حقوق الله عز وجل، وحافظ على أوامر الله عز وجل بأن يؤديها، وحافظ على مناهي الله عز وجل فلا يقع فيها كان جزاؤه من الله عز وجل الحفظ، كما قال عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:١٥٢].
وكما قال عز وجل: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:٧].
فالجزاء من جنس العمل، فالحفظ من الله عز وجل للعبد يكون على نوعين: النوع الأول: أن يحفظ سمعه وبصره ولسانه، وأن يحفظ عليه جوارحه، وأن يؤيده بقوته، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ أولاده، هذا حفظ في الدنيا.
النوع الثاني: حفظ الإيمان، وذلك أن يحفظ على العبد إيمانه، فلا يقع في الشهوات ولا في الشبهات، وأن يحول بينه وبين المعصية التي توجب غضب رب الأرض والسماوات.
أما النوع الأول من الحفظ فهو أن يحفظ الله عز وجل على العبد قوته، كما حفظ ذلك لـ أبي الطيب الطبري وكان قد جاوز المائة سنة، فقد جاء أنه وثب وثبة شديدة من مركب إلى الأرض فعوتب على هذه الوثبة فقال: جوارح حفظناها في الصبا فحفظها الله عز وجل علينا في الكبر.
فمن حافظ على جوارحه من معصية الله عز وجل فالله عز وجل يمتعه بسمعه وبصره وقوته.
والعكس بالعكس، رأى الجنيد شيخاً كبيراً يسأل الناس فقال: هذا ضيع الله عز وجل في الصبا فضيعه الله عز وجل في الكبر.
من فارق سدة سيده لم يبق لقدمه قرار، والله! ما جئتكم زائراً إلا وجدت الأرض تطوى لي، ولا ثنيت العزم عن بابكم إلا تعثرت بأذيالي.
فالعبد إذا حفظ الله عز وجل حفظه الله عز وجل، حفظ صحته، وحفظ ماله، وحفظ أولاده، كما كان سعيد بن المسيب -وقيل: سعيد بن جبير - يقول لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك، ويتأول قول الله عز وجل: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:٨٢].
فصلاح الآباء يكون سبباً في حفظ الأبناء، قال عز وجل: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء:٩].
فمن حفظ تقوى الله عز وجل فقد حفظ نفسه، ومن ضيع تقوى الله عز وجل فقد ضيع نفسه، والله عز وجل غني عنه، قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)، وفي الرواية الأخرى: (تجده معك) والمعية من الله عز وجل على نوعين: معية عامة لجميع الخلائق: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧]، {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} [الحديد:٤]، فالله عز وجل مع جميع الخلق بسمعه وبصره وقدرته وإحاطته، فهذه معية عامة لجميع الخلق تستوجب من العبد الحذر والخوف من الله عز وجل، وتقوى الله عز وجل ومراقبة الله عز وجل.
المعية الثانية: معية النصرة والتأييد والتوفيق والتسديد، كما قال عز وجل حاكياً عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال لـ أبي بكر رضي الله عنه في رحلة الإسراء: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠]، أي: معنا بسمعه وتوفيقه وتسديده.
وكما قال عز وجل لهارون وموسى عليهما السلام: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] أي: أسمع ما يراد بكما، وأرى ما يحاك بكما، وأسمع دعاءكما، وأعلم ما تحتاجان إليه.
وقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨]، فمن كان مع الله عز وجل بطاعته وتقواه ومع دين الله عز وجل يعز دين الله ويرفع دين الله عز وجل ويرفع راية الله عز وجل مع الله عز وجل بالحب والنصرة والتأييد لدينه ورسوله وكتابه فالله عز وجل معه.
قال قتادة: من كان مع الله عز وجل كان الله معه، ومن كان الله عز وجل معه كان معه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.
فإذا كنت مع الله عز وجل كان الله عز وجل معك، معيته لأنبيائه وأوليائه معية التأييد ومعية النصرة ومعية التسديد.
إذا كنت بالله مستعصماً فماذا يضيرك كيد العميل فمن كان مع الله عز وجل كان الله عز وجل معه.