للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إيمان الفتية أصحاب الكهف ورعاية الله لهم وتثبيتهم]

قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} [الكهف:١٣] أي: أن الله عز وجل عالم الغيب والشهادة، علم ما كان وما سيكون لو كان كيف يكون، فما يقصه الله عز وجل علينا هو الحق، وما في كتب أهل الكتاب منه الصحيح ومنه المحرف المبدّل.

{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣] أي: أن الله عز وجل يكافئ على الهدى بالهدى، كما يكافئ الله عز وجل على الحسنة بالحسنة، وكما يعاقب على السيئة بالسيئة، وهذا دليل لمذهب أهل السنة والجماعة في أن الإيمان يزيد وينقص، {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣] أي: زاد الله عز وجل في إيمانهم، فمن قصد الخير -عباد الله- وعزم على الخير وعزم على الهدى تأتيه المنح الربانية من الله عز وجل، فمن هذه المنح: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١].

{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦].

{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:١٣].

ثم المنحة الثانية: {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الكهف:١٤] كأنهم في حالهم وبحولهم وقوتهم وبإيمانهم وبالفتن الشديدة التي من حولهم؛ لأن قومهم كانوا في غاية الكفر والغباوة، بل كانوا يجبرون الناس على الشرك بالله عز وجل، كما قال عز وجل عنهم: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} [الكهف:٢٠] فهؤلاء زادهم الله عز وجل هدى حتى يقوموا هذا المقام الشريف، {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الكهف:١٤]، كما قال عز وجل: {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [القصص:١٠]، وكما أخبر عز وجل عن أهل بدر فقال عز وجل: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ} [الأنفال:١١] فهذه منح ربانية لأهل الإيمان، ما عليك إلا العزيمة الصادقة وأن تقوم لله عز وجل ناوياً إعزاز دين الله عز وجل ورفع راية الله عز وجل، حينها تأتيك المنح الربانية والتثبيت الإلهي، فهذه امرأة فرعون وكل فرعون بتعذيبها رجالاً ربطوها في أربعة أوتاد وأخذوا يعذّبونها، فقالت عند ذلك: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:١١] فأراها الله عز وجل بيتها في الجنة، فآثرت ما عند الله عز وجل مما عند فرعون من ملك وقصور، وطلبت بيتاً في الجنة.

كذلك قصة المرأة من أصحاب الأخدود لما همّت أن تتقاعس شفقة على وليدها وعلى رضيعها، أنطق الله الرضيع فقال: يا أمي اصبري فإنك على الحق، فالله عز وجل يثبت أهل الإيمان ويربط على قلوبهم؛ حتى يُعزوا دين الله وحتى يرفعوا راية الله عز وجل، {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} [الكهف:١٤].

والشطط: هو القول البعيد عن الصواب، كما قالوا: {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص:٢٢] (ولا تشطط) أي: لا تبعد عن الحق، فالشطط هو القول البعيد عن الصواب، وأن يعبد العبد مع الله عز وجل غيره، فهذا قول شطط وهذا فعل شطط بعيد عن الصواب؛ لأن الله عز وجل وحده هو الخالق وهو الرزاق وهو المحيي وهو المميت.

ثم قال تعالى: {هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ} [الكهف:١٥] أي: بحجة واضحة على أنهم يستحقون العبادة مع الله عز وجل، {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا} [الكهف:١٦] كيف يكون في الكهف الرحمة وهو فجوة في الجبل؟ كيف ينتظرون المخرج من داخل الكهف؟ وكم يبقون في الكهف ثم يعودون إلى قومهم؟ إنهم لا يعرفون بلداً إسلامياً على وجه الأرض يذهبون إليه، ولكنهم فعلوا ما في مقدورهم وكانت ثقتهم بالله عز وجل قوية، وهكذا المؤمن يتقي الله عز وجل وينتظر المخرج من الله عز وجل، قد لا يرى المخرج بعينيه، ولا يستطيع