الوجه الرابع: أن حب الدنيا يدخل على العبد الضرر ولابد، فمن الناس من يمنعه حب الدنيا عن الإيمان جملة، فلا يؤمن بالله عز وجل، فقد يكون له من الجاه ومن السلطان كالقسيسين والرهبان، والذين يتبوءون المناصب التي يصدون بها عن سبيل الله عز وجل، ويحاربون أولياء الله عز وجل، وهم يعتقدون أنهم مخطئون في ذلك، وأن الحق في دين الله عز وجل، وفي الدعوة إليه، وأن الدعاة إلى الله عز وجل على حق، ومع ذلك يحاربون أولياء الله عز وجل، والذي يمنعهم من أن يصرحوا بالحق أو يعملوا به هو حبهم للدنيا، فحب الدنيا قد يمنع العبد من الإيمان جملة، فيستمر على كفره وإعراضه وصده عن سبيل الله عز وجل.
ومنهم من يمنعه حب الدنيا عن أداء الواجبات.
ومنهم من يمنعه حب الدنيا عن أداء واجب يعارض تحصيلها وإن قام بغيره، وأقل شيء عباد الله! أن حب الدنيا يحرم العبد من سعادة الدنيا والآخرة، وكمال سعادة العبد في الدنيا والآخرة: أن يكون ظاهره وباطنه لله عز وجل، وأن يكون بقلبه وقالبه مع الله عز وجل، فهذا إذا وقف في الصف عباد الله فهو يتفكر في شهواته، ويتفكر في أمواله ومقاولاته، ولا يتفكر فيما يتدبره من قرآن، أو ما يذكره من أذكار، وإنما قلبه يهيم في الدنيا، كما قال بعضهم: يخبرني البواب أنك نائم وأنت إذا استيقظت أيضاً فنائم أي: حتى في اللحظات التي يؤدي فيها العبادات والواجبات هو مشغول ومشغوف بالدنيا، فهو بالشام مقيم، وقلبه بمصر، يتفكر في شهواته وفي دنياه، فحب الدنيا يدخل على العبد الضرر ولابد.