قال الزمخشري قال:(أهدكم سبيل الرشاد) فأجمل لهم، ثم فصل فافتتح بذم الدنيا، قال:{يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ}[غافر:٣٩] كأنه يريد أن يبين لهم سبيل الرشاد، وهو أن يعرفوا الدنيا على حقيقتها، وأن الدنيا متاعها متاع قليل، وأن الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، وأن الإنسان عندما يعمل صالحاً يجازى بمثله، والذي يعمل صالحاً يدخل الجنة يرزق فيها بغير حساب.
فأجمل سبيل الرشاد، ثم فصل فافتتح بذم الدنيا وتصغير شأنها؛ لأن الإسناد إليها هو أصل الشر كله، ومنه يتشعب جميع ما يؤدي إلى سخط الله، ويجلب الشقاوة في العاقبة، وثنى بتعظيم الآخرة والاطلاع على حقيقتها، وأنها هي الوطن والمستقر، وذكر الأعمال سيئها وحسنها وعاقبة كل منها؛ ليثبط عما يتلف، وينشط لما يدلف -يعني: يقرب- ثم وازن بين الدعوتين، دعوة إلى دين الله الذي ثمرته النجاة، ودعوته إلى اتخاذ الأنداد الذي عاقبته النار، وحذر وأنذر واجتهد في ذلك واحتشد، لا جرم أن الله استثناه من آل فرعون، وجعله حجة عليهم وعبرة للمعتبرين.
فقال:{مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ}[غافر:٤٠] أي: بغير تقدير وموازنة للعمل، بل أضعاف مضاعفة، فضلاً منه تعالى ورحمة، فإنه مهما كان عمل الإنسان لا يوازي جنة الله عز وجل؛ لأن حياة الإنسان محدودة يعيش ستين سنة أو سبعين سنة أو مائة سنة، فتجد جزءاً من هذه الحياة في الطفولة، وجزءاً يشتركون فيه الناس في النوم والأكل والشرب، وتجد أعمال العاملين في خمسة عشر أو عشرين سنة تقريباً، فالذين يجتهدون في هذه المدة في الطاعة يدخلون الجنة، والذين يضيعون أعمالهم يدخلون النار.
فهل الإنسان الذي يعمل عشرين سنة يجازى بخلود في نعيم مقيم، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت؟! فلا يقابل عمل الإنسان في الدنيا أبداً جنة الله عز وجل مهما كان عمله في سبيل الله.
فالله تعالى يعطي المؤمن بغير حساب، أي: بغير تقدير وموازنة، بل أضعاف أضعاف فضلاً منه سبحانه.