للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المفهوم الصحيح للزهد]

ليس الزهد عباد الله! نفض الدنيا من اليد، ولكن الزهد أن تخرج الدنيا من قلبك، فقد كان عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان والزبير بن العوام من أغنى الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك كانوا أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة.

لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيش العسرة أتى عثمان رضي الله عنه بألف دينار -أي: عملة ذهبية- وصبها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم، فتهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما ضر ابن عفان ما فعل بعد اليوم).

فليس الزهد في الدنيا عباد الله أن تخرجها من يدك وهي في قلبك، فقد تكون فقيراً -يعني: من الدنيا- ولكنك من أرغب الناس فيها، وقد تكون مملوء اليد من الدنيا، ولكنك من أزهد الناس فيها، كما قيل لبعضهم: ما رأينا أزهد منك، فقال: الزاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدنيا راغمة فزهد فيها.

فهذا أويس القرني إمام من أئمة التابعين، بشر بوجوده رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب من الصحابة أن يطلبوا من هذا التابعي أن يستغفر لهم؛ لمنزلته عند الله عز وجل، اختلف الناس هل هو أزهد أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال بعضهم: عمر بن عبد العزيز، وقال بعضهم: أويس القرني؛ لأنه لو ملك الدنيا لزهد فيها، فقال الذي يرجح عمر بن عبد العزيز: إن عمر بن عبد العزيز قد ملك الدنيا وزهد فيها، ولا تجعل من جرب كمن لم يجرب.