[الجواب على من عاب على مسلم إخراجه عن بعض الضعفاء]
الجواب على من عاب على مسلم إخراجه عن جماعة ممن تكلم فيهم بالضعف: قال الإمام النووي: عاب عائبون مسلماً بروايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء والمتوسطين الواقعين في الطبقة الثانية الذين ليسوا من شرط الصحيح.
ولا عيب عليه في ذلك، بل جوابه من أوجه ذكرها الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله: أحدها: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده.
وذلك أن التضعيف والتوثيق مسألة اجتهادية، فقد يكون الراوي هذا ثقة عند الإمام مسلم، وهذه مسألة اجتهادية فلكل اجتهاده.
فالجواب الأول: أن يكون ذلك فيمن هو ضعيف عند غيره ثقة عنده، ولا يقال: الجرح مقدم على التعديل؛ لأن ذلك فيما إذا كان الجرح ثابتاً مفسر السبب، وإلا فلا يقبل الجرح إذا لم يكن كذلك.
وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي وغيره: ما احتج البخاري ومسلم وأبو داود به من جماعة علم الطعن فيهم من غيرهم محمول على أنه لم يثبت الطعن المؤثر مفسر السبب، يعني: الراجح أنها أوهام ولم يثبت عليهم هذا الطعن.
الثاني: أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد لا في الأصول، فيذكر الأسانيد السليمة برواية الحفاظ المتقنين أولاً ثم أهل الستر والصدق، ثم من تكلم فيهم بالضعف.
فيكون مطمئناً للمتون بالأسانيد الأولى، ثم يذكر بعد ذلك أسانيد فيها شيء من الكلام.
يقول: أن يكون ذلك واقعاً في المتابعات والشواهد لا في الأصول، وذلك بأن يذكر الحديث أولاً بإسناد نظيف رجاله ثقات ويجعله أصلاً، ثم يتبعه بإسناد آخر أو أسانيد فيها بعض الضعفاء على وجه التأكيد بالمتابعة، أو لزيادة فيه تنبه على فائدة فيما قدمه.
الجواب الثالث: أن يكون ضعف الضعيف الذي احتج به طرأ بعد أخذه عنه باختلاط حدث عليه فهو غير قادح فيما رواه من قبل في زمن استقامته.
أي: أن الإمام مسلماً روى عن راو ثم اختلط هذا الراوي بعد رواية الإمام مسلم عنه.
يقول: كما في أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ابن أخي عبد الله بن وهب، فذكر الحاكم أبو عبد الله أنه اختلط بعد الخمسين ومائتين بعد خروج مسلم من مصر -أي أن الإمام مسلماً روى عنه قبل أن يختلط- فهو في ذلك كـ سعيد بن أبي عروبة، وعبد الرزاق وغيرهما ممن اختلط آخراً، ولم يمنع ذلك من صحة الاحتجاج في الصحيحين بما أخذ عنهم قبل ذلك.
الجواب الرابع: أن يعلو بالشخص الضعيف إسناده وهو عنده من رواية الثقات نازل، فيقتصر على العالي ولا يطول بإضافة النازل إليه مكتفياً بمعرفة أهل الشأن في ذلك؛ لأن الحديث قد يكون ثابتاً من رواية الثقات، ولكنه حديث نازل يعني: أن عدد الرواة كثير في السند.
فقد يرويه الإمام مسلم بسند عال، ولكن فيه بعض الرواة ممن تكلم فيهم، وهو مطمئن أن أهل عصره يعرفون أن هذا الحديث ثابت برواية الحفاظ، فلا يضر أن يكون بعض رواة السند ممن تكلم فيهم إذا كان السند عالياً، وذلك في الشواهد والمتابعات.