[أهمية صرف السؤال لله عز وجل وذم سؤال الخلق]
قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله).
السؤال بذل للوجه، كان بعضهم يقول: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك فصنه عن مسألة غيرك.
وكان أحدهم إذا عرضت له مسألة للخلق يهتف به هاتف من داخله: الوجه الذي يسجد لله عز وجل لا تبذله لغير الله، لا تبذله لغير الله.
وفي الحديث: (من سأل الناس تكثراً -أي: وعنده ما يكفيه- فإنه يأتي يوم القيامة وقد سقط لحم وجهه) لأنه أراق وجهه في الدنيا.
فالسؤال لا يكون إلا لله؛ لأن العبد لا يذل نفسه إلا لله عز وجل، وقد عاهد النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ العهد عن بعض الصحابة ألا يسألوا أحداً إلا الله عز وجل، منهم أبو بكر رضي الله عنه، فكان يقع منه السوط وهو على البعير فلا يسأل أحداً أن يناوله إياه، بل ينزل بنفسه فيأخذه، لا يسأل إلا الله عز وجل.
فالسؤال ذل، والسؤال يكون لمن يقدر على جلب جميع المصالح، ودفع جميع المضار، وليس هناك أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا سألت فاسأل الله).
وقال عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢].
وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦].
كان بعض الناس يتردد على بعض الملوك، فقال له أحد العلماء: يا هذا! تذهب إلى من يسد دونك بابه ويظهر لك فقره، ويخفي عنك غناه، وتدع من يفتح لك بابه، ويظهر لك غناه، ويقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:٦٠]! لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب فالعبد لا يسأل إلا الله عز وجل، ومن لم يسأل الله يغضب عليه، لأنه عز وجل غني كريم ولأنه عز وجل يحب أن يتفضل على عباده: (يد الله ملأى لا تغيضها نفقة -أي: لا تنقصها نفقة- سحاء الليل والنهار) أي: ينفق على عباده بالليل والنهار.
(أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه) أي: لم ينقص ما في يمينه.
وفي بعض الروايات: (ذلك بأني جواد واجد ماجد، عطائي كلام وعذابي كلام، إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون).
فالله عز وجل غني كريم ويخلق بكلمة (كن)، إذا أراد شيئاً يقول له: كن، فيكون، فهو وحده الغني: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:١٦ - ١٧].
فالعبد يسأل من يقدر على كشف الضر، ومن يقدر على جلب المنافع كلها، ولا أحد يقدر على ذلك إلا الله عز وجل.
قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله) والاستعانة: هي طلب العون والمساعدة، ولا تجوز الاستعانة في الأمور كلها إلا بالله عز وجل، يجوز أن تستعين بمخلوق في قضاء حاجة من حوائج الدنيا يقدر عليها ذلك المخلوق، ولكن لا يجوز أن تستعين بمخلوق في أن يخبرك بمغيب، وفي أن يشفي لك مريضاً أو يرد لك غائباً.
فالاستعانة لا تكون إلا بالله عز وجل.
والاستعانة بالمخلوق قسمان: استعانة شركية، واستعانة غير شركية.
الاستعانة الشركية: أن تستعين بمخلوق في أن يشفي لك مريضاً أو يرد لك غائباً، كمن يستعين بالمقبورين في أن يردوا لهم غائباً، أو يشفوا لهم مريضاً، فهذه استعانة شركية.
أما الاستعانة بالمخلوق في قضاء أمر من أمور الدنيا أو شراء شيء أو بيع شيء له أو إجارته فهذه استعانة غير شركية.
أرسل أحد السلف إلى أخيه يقول له: أما بعد: لا تستعن بغير الله فيكلك إليه.
أي: فلا يجلب لك نفعاً، ولا يدفع عنك ضراً.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، وهذا مدار الوصية، فمدار الوصية: أن تعلم أن الأمر بيد الله، وأن الملك بيد الله، وأن خزائن السماوات والأرض بيد الله عز وجل، فإذا علمت ذلك عرفت الله عز وجل، كما قال أبو عاصم الأنطاكي: إني أريد ألا أموت حتى أعرف مولاي.
فلا يريد المعرفة العامة التي يعرفها كل الناس أن الله عز وجل هو رب الناس ملك الناس إله الناس، ولكن يريد أن يعرف الله عز وجل معرفة ينقطع عن الخلق إلى الله عز وجل، فلا يستعين إلا بالله، ولا يسأل إلا الله عز وجل.
وهذه المعرفة تدعوه إلى أن يحفظ حدود الله وحقوقه وأوامره ونواهيه، تدعوه إلى أنه لا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلا