للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف المؤمن ومحاورته لصاحب الجنتين الكافر]

قال الرجل الكافر: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ} [الكهف:٣٦ - ٣٧]، رده إلى أصله، وكيف أن أصل آدم من تراب، وأن أصل الإنسان التراب، {ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الكهف:٣٧] ثم نسبه إلى أصله القريب، وأنه كان نطفة كان ماءً مهيناً تستقذره النفوس وتأنف منه، {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:١ - ٢].

فلو تفكر الإنسان في أصله لما تكبر على الله عز وجل ولما تعالى على عباد الله عز وجل، فرده الرجل المؤمن إلى أصله، فقال: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} [الكهف:٣٧ - ٣٨] أي: أنا لا أقول بمثل مقالتك، بل أعلن إيماني بالله عز وجل، {وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا} [الكهف:٣٨].

ثم نبهه على الواجب عليه فقال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف:٣٩]، هذا هو الواجب على العبد إذا أعجبه شيء، وكما ورد في صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا رأى العبد المسلم شيئاً يعجبه فقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره)؛ لأن العبد قد يحسد نفسه وقد يحسد ماله وقد يحسد أولاده، فلولا إذ دخل جنته أو دخل مصنعه أو دخل بيته قال: ما شاء الله، وكان بعض السلف يكتب على بيته ما شاء الله لا قوة إلا بالله، كما ورد عن وهب بن منبه أنه كان يكتب على بيته: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، يذكر نفسه بالشكر لله عز وجل على نعمه، فلولا إذ كتب على مصنعه أو كتب على مزرعته: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فنبهه هذا العابد المؤمن إلى ذلك فقال: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف:٣٩].

فينبغي للعبد أن ينظر إلى من دونه في الدنيا فيعرف نعمة الله عز وجل عليه، ويشكر نعمة الله عز وجل عليه، وينظر إلى من هو أعلى منه في الدين وهو أكثر منه علماً وإيماناً وطاعة لله عز وجل، فيجتهد في طاعة الله عز وجل، ولا يستكثر عمله على الله عز وجل ولا يعجب بعمله، فقال: {إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا} [الكهف:٣٩] قال: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا} [الكهف:٤٠ - ٤١].

والمؤمن عنده بصيرة فكأنه ينظر فيرى الآخرة، قال: {فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ} [الكهف:٤٠] فلولا تفكر الذي رزقه الله عز وجل مالاً وبخل بهذا المال وحرم منه الفقراء، لو تفكر أن هذا المال هو مال الله عز وجل، وأنه مستخلف في هذا المال، وأن الواجب عليه أن ينفقه في أوجه الخير، وأن يخرج صدقته الواجبة كما في قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأقرع، والأبرص، والأعمى الذين أرسل الله عز وجل إليهم ملكاً (فأتى الأعمى فقال له: أي شيء تريد؟ فقال: أن يرد الله إلي بصري، فمسح عينيه فرد الله عز وجل إليه بصره، فقال: أي المال أحب إليك قال: البقر، فأعطي بقرة ولوداً فصار عنده واد من البقر.

ثم أتى كذلك الأقرع فقال: أي شيء تريد؟ فقال: أن يرزقني الله عز وجل شعراً جميلاً ويذهب هذا الذي قذرني به الناس، فمسح على رأسه ورزقه الله عز وجل شعراً جميلاً، ثم قال: أي المال أحب إليك قال: الإبل، فأعطاه ناقة ولوداً فصار عنده واد من الإبل.

ثم أتى الأبرص فقال: أي شيء تريد؟ فقال: أن يذهب عني هذا المرض، فمسح على جلده فأذهب الله عز وجل عنه المرض، وقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطاه شاة ولوداً فصار عنده واد من الغنم.

ثم أتى الأعمى في صورة رجل أعمى فقير يطلب منه أن يعينه بشيء، وأن يعطيه بقرة يتبلغ بها في سيره، فأخبره أن الحقوق كثيرة، فقال له: كأني بك رجل أعمى قد رد الله عز وجل إليك بصرك، وكأني بك رجل فقير قد أغناك الله عز وجل، فقال: لقد ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت، فعاد رجلاً فقيراً أعمى كما كان في المرة الأولى.

ثم ذهب إلى الأقرع الذي عنده واد من الإبل فطلب