للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فوائد دراسة قصص الأنبياء]

الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، فألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، فلا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، وأنه خاتم الأنبياء وإمام الأتقياء، وسيد المرسلين، وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً.

{لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف:١١١] دراسة قصص الأنبياء عباد الله فيها فوائد: من ذلك: أن من أمور الإيمان الستة: الإيمان بالرسل الكرام، فهذا تعميق لهذا الإيمان وزيادة لهذا الإيمان.

ومن ذلك عباد الله: أن نعرف أن دعوة الأنبياء جميعاً واحدة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء إخوة لعلات، أبوهم واحد) فإذا كان الأب واحداً، والأمهات مختلفة، فكذلك الأنبياء عباد الله دينهم واحد، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:١٣].

فدين الأنبياء هو توحيد الله عز وجل، وعبادة الله عز وجل وحده، أما الشرائع فمختلفة، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨] فالله عز وجل يحل لهؤلاء ما يحرم على هؤلاء، ويحرم على هؤلاء، ما يحل لهؤلاء، كل بحسب طبيعة القوم الذين شرعت لهم الشريعة، وشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هي الشريعة المهيمنة، وكتابه هو المهيمن على الكتب السابقة.

ومن الفوائد كذلك عباد الله: أن نتعلم كيف تكون الدعوة إلى الله عز وجل، وكيف صبر الأنبياء على الدعوة إلى الله عز وجل.

ومن ذلك: أن نعلم سنن الله عز وجل في عباده، فمن سنن الله عز وجل في عباده أنه لابد أن ينصر المتقين، ولابد أن تكون العاقبة للمتقين، قال عز وجل: {وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:١٣٢].

ففي نهاية كل قصة من قصص الأنبياء تجد أن النجاة تكون للرسل، ومن تبعهم من المؤمنين، وأن الهلاك يكون للكافرين والمكذبين.

ومن ذلك كذلك عباد الله: أن القوم إذا سألوا الله عز وجل آية وأجابهم الله عز وجل إلى هذا السؤال ثم كفروا، لابد أن يستأصلهم بالعذاب، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسألوا الآيات، فقد سأل قوم صالح الآيات، وكانت الناقة تصدر من هذا الفج، وترد من هذا الفج، فعقروها، فأخذتهم صيحة أخمدت من منهم تحت أديم السماء، إلا رجلاً كان في حرم الله وهو أبو رغال، فلما خرج من حرم الله أخذه ما أخذهم).

فهذه سنة من سنن الله عز وجل تظهر في هذه القصص: أن الناس إذا سألوا الأنبياء آية وأجابهم الله عز وجل إلى ذلك، ورأوا هذه المعجزة التي سألوها، ثم استمروا على كفرهم وتكذيبهم لابد أن يأتيهم عذاب الاستئصال، كما في هذه القصة التي نحن بصددها وهي قصة صالح مع قومه ثمود.