والتقليد يجوز في مواطن، ومن هذه المواطن: الجاهل جهلاً محضاً الذي لا يستطيع أن يقرأ أو يكتب، وإذا تلوت عليه آية أو أخبرته بحديث فلا يفهم ما ترشد إليه الآية، ولا يفهم ما يدل عليه الحديث، فمثل هذا أجاز له العلماء التقليد، وهو أن يأخذ بقول عالم من العلماء الذين يثق في علمهم وفي تقواهم لله عز وجل؛ لأن {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦].
وأيضاً: المسائل التي ليس فيها نص شرعي أو فيها نص غير واضح في الدلالة، بحيث تختلف أنظار العلماء في فهم هذا النص، مثل: تحديد النسل أو تنظيمه، فهذه المسائل فيها نصوص، ولكن بعض الناس يفهمون أن فيها تحريماً للتنظيم مثلاً، وبعضهم يقول: ليس فيه شيء.
فالحاصل: أن المسألة إذا لم يكن فيها نص وكانت مسألة اجتهادية محضة غير منصوص عليها فالعلماء يقيسونها على مسألة منصوص عليها للتشابه الذي بينهما، وهنا يجوز أن تقلد عالماً من العلماء المجتهدين.
أيضاً: إذا ضاق الوقت عن النظر في أقوال العلماء فيجوز تقليد المجتهد.
هذه المواطن التي يجوز فيها التقليد.
والإنسان إما أن يكون عنده أدوات الاجتهاد مثل أن يحفظ القرآن ويعرف مواضع الأحاديث في كتب السنة، ولا يشترط أن يحفظ كل كتب السنة ولكن يكون بحيث يستطيع أن يصل إلى مواضع الحديث فيها، وأن يكون عنده علم بالناسخ والمنسوخ، وعلم بالعربية وعلوم القرآن، وغير ذلك من العلوم الشرعية بحيث أنه يحصل أدوات النظر المباشر، ويستطيع أن يجمع النصوص في المسألة وينظر فيها؛ لأنك قد خبراً أو حديثاً أو نصاً في المسألة ويخفى عليك غيرها لعدم إطلاعك على الشريعة، ولكن المجتهد الذي أحاط بالشريعة أو بأكثرها يستطيع أن يجمع النصوص في المسألة ثم يستنبط الحكم.
وهناك رتبة ثالثة بين المجتهد والمقلد وهي درجة الاتباع، وهي درجة طلاب العلم، وهي: أن يكون الإنسان ليس عنده أدوات الاجتهاد، وهو كذلك ليس جاهلاً جهلاً محضاً بل يستطيع أن ينظر في أقوال العلماء ويعرف أيهما وافق الدليل، فمثل هذا يجب عليه أن ينظر في المسائل المختلف فيها، وأن يعرف أيهم وافق الدليل، فيتبع الحق بدليله، ويتبع العالم المجتهد الذي يعرف أنه دله على طريق الله عز وجل، أو أن الحجة معه في المسألة.
فيقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: أو منقاداً لأهل الحق لا بصيرة له في أحنائه، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ثم قال: لا ذا ولا ذاك، يعني: لا هذا يصلح لحمل العلم ولا ذاك.