والقلوب تمرض بنوعين من المرض، بأمراض الشبهات أو الشهوات، فأما أمراض الشهوات فكقول الله عز وجل لأمهات المؤمنين، وبالأولى جميع نساء الأمة:{فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب:٣٢]، فإن المريض يضره ما لا يضره السليم، والسليم يدفع بصحته وسلامته كثيراً مما لا يتحمله المريض؛ فيأمر الله جل نساء بألا يخضعن بالقول؛ لأن هذا يؤثر في الذي في قلبه مرض الشهوة.
وأمراض الشبهات، كقول الله عز وجل:{فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا}[البقرة:١٠]، قال مجاهد وغيره: في قلوبهم شك من لقاء الله، ومن وعد الله عز وجل، ومن صدق الله عز وجل.
فالقلوب تمرض بالشبهات أو الشهوات، وعلاج ذلك كله في كتاب الله عز وجل:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا}[الإسراء:٨٢].
فعلاج الشبهات والشهوات في القرآن، فالقرآن فيه من الأدلة البصرية والبراهين الواضحة الساطعة، وفيه من الدلائل والبينات ما يزيل كل شبهة من قلب العبد، وفيه من التزهيد في الدنيا، والترغيب في الآخرة، والإعراض عن زينة الدنيا والاهتمام بالآخرة، ما يزهد العبد من الدنيا وشهواتها؛ فيزهد العبد في الدنيا ويرغب في الآخرة، فيعالج بذلك القرآن أمراض الشبهة والشهوة، وبذلك كان العلاج بالقرآن، وكانت تلاوة القرآن من أنفع العبادات للقلب، كما قال خباب بن الأرت: تقرب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه.
وكان ابن مسعود يقبل المصحف ويقول: كلام ربي كلام ربي.
وقال عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كلام ربكم.
فلو سلمت القلوب لأحبت القرآن، ولانسجمت معه؛ لأن القرآن يهدي للتي هي أقوم، وسبب انصراف الناس عن سماع القرآن وتلاوته لما في قلوبهم من شبهات وشهوات، فلو سلمت قلوبهم لأحبت القرآن، وتوافقت معه، وصار العبد لا يستغني عن سماعه وتلاوته ليل نهار.