للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفة الرواة الذين أخرج لهم الإمام مسلم في الصحيح]

وقال الحاكم: وأراد مسلم أن يخرج الصحيح على ثلاثة أقسام وعلى ثلاث طبقات: منها: الرواة، وقد ذكر هذا في صدر خطبته، فلم يقدر إلا على الطبقة الأولى ثم مات.

ثم ذكر الحاكم مقالة هي مجرد دعوى فقال: إنه لا يذكر من الأحاديث إلا ما رواه صحابي مشهور له راويان ثقتان فأكثر، ثم يرويه عنه أيضاً راويان ثقتان فأكثر، ثم كذلك من بعدهم.

فقال أبو علي الجياني: المراد بهذا إن هذا الصحابي أو هذا التابعي قد روى عنه رجلان خرج بهما عن حد الجهالة.

وقال القاضي عياض: والذي تأوله الحاكم على مسلم من اقتران المنية له قبل استيفاء غرضه إلا في الطبقة الأولى، فأنا أقول: إنك إن نظرت في تفصيل مسلم في كتابه الصحيح الحديث على ثلاث طبقات من الناس على غير تكرار.

فذكر أن القسم الأول حديث الحفاظ، ثم قال: إذا انقضى هذا أتبعه بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان، وذكر أنهم لاحقون بالطبقة الأولى، أي: أنهم استدلوا بأحاديثهم حتى لا ينفرطوا، فهؤلاء مذكورون في كتابه لمن تدبر الأبواب.

فأهل الحفظ والإتقان لا خلاف في وجودهم في صحيح الإمام مسلم، ثم تكلم في الطبقة الثانية من أهل الستر والصدق فقال: والطبقة الثانية: قوم تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون، فخرج حديثه عمن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري في صحيحه في تخريج أحاديث عن بعض الشيعة غير الغلاة، والخوارج المعروفين بالحفظ والإتقان، ولم يكونوا من دعاة أهل البدع، وكذلك عن المعتزلة وغيرهم كثير، ولكن بشرط أن يكونوا معروفين بالصدق والأمانة والصيانة.

ثم قال القاضي عياض: فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه وطرح الطبقة الرابعة.

فالطبقة الأولى: طبقة الحفاظ، والثانية: طبقة أهل الستر والصدق، والثالثة: تكلم فيهم قوم وزكاهم آخرون، وليس كل من تكلم فيه ضعيفاً بمجرد هذا الكلام، بل لابد أن يكون الجرح مفسراً، بحيث يخرجه عن العدالة، فليس كل من تكلم فيه بالضعف يخرج بذلك من عداد أهل العدالة.

قال الذهبي: بل خرج أحاديث الطبقة الأولى، والطبقة الثانية إلا النزر القليل مما يستنكره في الطبقة الثانية، ثم خرج لأهل الطبقة الثالثة أحاديث ليست بالكثيرة، وذلك في الشواهد والاعتبارات والمتابعات.

أما ترتيب الإمام مسلم للأحاديث، فيذكر الروايات التي ليس فيها مطعن والتي رواها أئمة حفاظ، ثم يروي عن رواة أقل منهم في الإتقان والحفظ، ثم يروي عمن تكلم فيهم بالضعف، وإن لم يكن هذا الكلام قادحاً، وسوف نجيب عن الإمام مسلم في إخراجه حديث جماعة ممن تكلم فيهم.

ثم قال الذهبي: وقل أن خرج لهم في الأصول شيئاً، والمراد بالأصول الأحاديث الأولى في بداية الأبواب والتي رواها الأئمة الحفاظ، ثم هناك شيء مهم هنا وهو قوة هذه المتون، وأنها أحاديث صحيحة؛ لقوة الأسانيد، فلا يضر الحديث أن يأتي من طرق أخرى فيها بعض من تكلم فيه بالضعف، بل هذا مما يزيدها قوة عند التعارض بكثرة الطرق.

فالذين تكلم فيهم بالضعف كان يذكرهم في الشواهد والمتابعات بعد أن يورد الأسانيد النظيفة أولاً.

ثم قال الذهبي: وقلّ أن خرج لهم في الأصول شيئاً، ولو استوعبت أحاديث أهل هذه الطبقة في الصحيح لجاء الكتاب في حجم ما هو مرة أخرى، ولنزل كتابه بذلك الاستيعاب عن رتبة الصحة، وهم: عطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم، ويزيد بن أبي زياد، وأبان بن صمعة، ومحمد بن إسحاق، ومحمد بن عمرو بن علقمة وطائفة أمثالهم فلم يخرج لهم إلا الحديث بعد الحديث، وهي أحاديث قليلة، فإذا كان لها أصل ساق أحاديث هؤلاء.

فالذين يكثرون من هذه الأحاديث التي فيها من تكلم فيهم هم: الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، والدارمي وغيرهم من أصحاب السنن الذين لم يشترطوا الصحة.

يقول الذهبي: فإذا انحطوا إلى إخراج أحاديث الضعفاء الذين هم أهل الطبقة الرابعة.

وأما أهل الطبقة الخامسة ممن أجمع على اطراحه وتركه لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهماً فينظر أن يخرج لهم أحمد، والنسائي، ويورد لهم أبو عيسى الترمذي فيبينه بحسب اجتهاده، فيقول: هذا مجمع على تركه، هذا ضعيف، هذا لم يوثقه أهل العلم، فهذه ميزة في كتاب جامع الإمام أبي عيسى الترمذي.

يقول: ويورد لهم أبو عيسى فيبينه بحسب اجتهاده، لكنه قليل، ويورد لهم ابن ماجه أحاديث قليلة ولا يبين والله أعلم، وقلما يورد منها أبو داود فإن أورد بينه في غالب الأوقات.

يقول: وأما