[الرد من السنة على شبه المنكرين لعذاب القبر]
وكما دلّت الآيات القرآنية الكريمة -عباد الله- على حياة القبر وعلى عذابه دلّت كذلك السنة النبوية المطهّرة، بل تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إثبات حياة القبر.
ومن ذلك أحاديث تبيّن أنه لا بد أن يُفتن الناس في قبورهم، ولا بد أن يسألوا في قبورهم، وأحاديث يأمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالتعوذ من عذاب القبر، وأحاديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع بعض المعذّبين يُعذّبون في قبورهم، وأحاديث تبيّن صوراً من صور هذا العذاب وأسبابه.
ومن هذه الأحاديث -عباد الله- التي تُثبت عذاب القبر: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: إنهما يُعذّبان وما يُعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول)، وفي رواية: (لا يستتر من البول) وفي رواية: (لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يسعى بالنميمة، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجريدة فشقها نصفين وقال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا).
ومنها كذلك: ما ورد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (بين رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار إذ حادت به بغلته، فكادت أن تلقيه، فإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة -أي: أن الدابة فزعت فزعاً شديداً عندما سمعت الصراخ أو أحسّت بعذاب من يُعذّب في هذه القبور، فكادت أن تلقي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم- فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصحابة الكرام: أيكم يعرف أصحاب هذه القبور؟ فقال رجل: أنا، فقال النبي صلى الله عليه، وآله وسلم: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، ولولا ألا تدافنوا -أي: لا يدفن بعضكم بعضاً؛ خوفاً من أن يمس الذي يدفن شيئاً من عذاب القبر- لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع، ثم قال صلى الله عليه وسلم: استعيذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: استعيذوا بالله من فتنة المسيح الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة المسيح الدجال، قال: استعيذوا بالله من شر فتنة المحيا والممات).
وكذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر إذا فرغ العبد من التشهد الأخير أن يستعيذ بالله عز وجل من أربع: من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال).
ووردت كذلك أحاديث نبوية شريفة تدل على السؤال في القبر، وما يسأل عنه العبد في قبره، وقد ورد في حديث البراء بن عازب أن المؤمن يأتيه ملكان فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ويسأل عن دينه فيقول: ديني الإسلام، ويسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال له: كيف عرفت رسالته؟ فيقول: قرأت كتاب الله تعالى فآمنت به وصدّقت، والكافر يقول: هاه هاه لا أدري، فقد فاته أن يعرف ربه عز وجل، كان مشغولاً بمعرفة من يلعب الكرة، وبمعرفة الممثلين والممثلات والفاسقين والفاسقات، ففاته أن يعرف ربه عز وجل، وفاته أن يتعرف على نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وأن يدرس سيرته ومعجزاته صلى الله عليه وسلم، فيقول الكافر والمفرّط: هاه هاه لا أدري، فتقول الملائكة: لا دريت ولا تليت.
وفي حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم حين يولون عنه مدبرين، ثم يأتيه ملكان فيقولان: من ربك؟ فأما المؤمن فيقول: ربي الله).
قال قتادة: وبلغنا أنه يُفتح له في قبره سبعون ذراعاً ويملأ عليه خضراً إلى يوم يُبعثون.
ومن الأحاديث التي تثبت عذاب القبر: ما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يقف عليه ملك إلا هيل -أي: مهما كان يعرف الإجابة، ومهما كان قد درس التوحيد، ولكنه وحيد فريد في قبره ضعيف لا حيلة له ولا وسيلة، يأتيه ملكان أسودان أزرقان فيجلسانه ومعهم المطراق- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:٢٧]) فلا يثبت عند ذلك إلا المؤمنون.
وأنت ترى الناس في الدنيا في كامل صحتهم وعافيتهم وعقلهم ومع ذلك يتمكن منهم الشيطان ويسوقهم حيث أراد، فكيف بهم إذا تخاذلت قواهم وضعفت قوتهم؟ وكيف بهم إذا بلغ الكرب منهم مبلغه وقت معاناة السكرات، وهم في غاية الضعف واليأس من الدنيا والألم، والشيطان أشد ما يكون عليهم عند خروج الروح؟ فهناك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:٢٧] فلا يثبّت