للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التوسل بأسماء الله عز وجل]

وقوله: (ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك) هذا فيه توسل مشروع بأسماء الله عز وجل الحسنى، والله عز وجل هو الذي سمى نفسه بهذه الأسماء الحسنى؛ لأن من علامة النقص والفقر والحاجة أن يحتاج العبد إلى من يسميه، والله عز وجل غني ومن سواه فقير إليه، وقد عاب الله عز وجل الآلهة الباطلة فقال: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النجم:٢٣] فهم فقراء يحتاجون إلى من يسميهم، والله عز وجل هو الذي سمى نفسه بالأسماء الحسنى، فأنزل بعضها في بعض كتبه، وعلم بعضها بعض خلقه، واستأثر الله عز وجل بعلم بعضها.

وهذا يدل على أن لله عز وجل أسماء لا نعرفها ولم يعرفها أحد من خلق الله عز وجل.

وقوله: (أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا لا ينافي قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر) أي: من جملة أسماء الله عز وجل تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة.

وهذا يدل على أن هذه الأسماء من الأسماء التي علمها الله عز وجل لبعض خلقه، أو نزلت في كتاب الله عز وجل، أو جاءت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس معنى ذلك أن الله عز وجل ليس له إلا هذه الأسماء، وهذا -كما قال شيخ الإسلام - شبيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله، ما بين الدرجة والدرجة كما بين السماء والأرض) أي: من جملة درجات الجنة مائة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله.

وهذا الفهم كذلك موافق لقول الله عز وجل: {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:١١٠] فالله عز وجل يعلم ولا يحاط به علماً، فنحن لا نعرف كل أسماء الله عز وجل؛ لأن هذا إحاطة بعلم الله عز وجل أو إحاطة علم بالله عز وجل.

فالله عز وجل يعلم ولا يحاط به علماً؛ لعظمة الله عز وجل، كما أنه عز وجل يرى في الآخرة ولا يدرك، يرى كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث ولكنه لا يدرك، كما قال سبحانه: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] لعظمة الله عز وجل، والإدراك فوق الرؤية، كما قال عز وجل: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦١ - ٦٢] فحصلت الرؤية ولم يحصل الإدراك؛ لأن الإدراك هو: الإحاطة بالشيء من جميع جوانبه.

سئل ابن عباس عن قول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣] وعن قوله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٠٣]؟ فقال للسائل: سوف أضرب لك مثلاً من خلقه، قال: أفترى السماء؟ قال: نعم.

قال: أفتدركها؟ قال: لا، قال: الله أعظم وأجل.

فالسماء خلق من خلق الله عز وجل، كم فيها من المجرات ومن النجوم ومن الكواكب؟ وما هي أحجامها وأبعادها؟ وما هي مساراتها؟ كل ذلك لا يستطيع العبد عندما ينظر إلى السماء أن يحيط علماً بها، وهي خلق من خلق الله عز وجل، فكيف بالله عز وجل وهو فوق كل شيء وأكبر من كل شيء؟ فهو يعلم ولا يحاط به علماً، كما أنه يرى في الآخرة ولا يدرك.

قال صلى الله عليه وسلم: (أسألك بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء همي وحزني) فالقرآن مثله كمثل الربيع - أي: المطر - والمطر ينزل نزولاً واحداً على الأرض، والأرض تختلف، فهناك أرض طيبة إذا نزل عليها المطر اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فتثمر الثمار اليانعة، كذلك القلوب الطيبة التي ينزل عليها القرآن تثمر الأحوال الحسنة والمعاني الطيبة والأعمال الصالحة، وهناك قلوب لا تزداد إلا شكاً واضطراباً.

قال عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:١٢٤ - ١٢٥].

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا وهمومنا، اللهم ذكرنا منه ما نسينا، وعلمنا منه ما جهلنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا.

اللهم إنا نسألك أن تقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا