[التزكية عند الصوفية]
أغنانا الله عز وجل بالشرع المتين عن أن نبتدع طرقاً للتزكية كما فعلت الصوفية فإنهم يبتدعون طرقاً يزعمون أنها تزكي نفوسهم وأنها تقربهم إلى الله عز وجل، من ذلك أنهم يحرمون على أنفسهم ما أحل الله عز وجل كالزواج وأكل الطيبات.
وهذا لم يتعبدنا الله عز وجل به بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)، فمن ترك الزواج بدعوى أنه يزكي نفسه، أو يقول: هو يأنس بالله عز وجل ولا يأنس بالزوجة فهذا مردود؛ لأن سيد العابدين صلى الله عليه وسلم تزوج ثلاث عشرة امرأة وقيل: خمس عشرة امرأة ومات عن تسع وما شغله ذلك عن كمال عبوديته لله عز وجل وقال: (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) ومع ذلك كان سيد العابدين وكان سيد الشاكرين وسيد الصابرين، فالأنس بالزوجة أنس طبيعي لا يعارض الأنس بالله عز وجل.
كذلك من طرقهم في التزكية أنهم يزكون أنفسهم -زعموا- بذكر اسم الله عز وجل المفرد، مظهراً أو مضمراً فيظل أحدهم يصيح طوال الليل ويقول: الله الله ولو قال العبد: الله ألف مرة لا يصير بذلك مسلماً حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
فكلمة الله لا تتضمن كفراً ولا إيماناً بل ينبغي أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهذا الذكر بالاسم المفرد مظهراً، وأما المضمر فيقول: هو هو ويظل طوال الليل يقول: هو هو، ويقول بعضهم: لا هو إلا هو ويقولون: الذكر بالاسم المفرد مظهراً هو ذكر العوام ومضمراً هو ذكر الخواص ولا هو إلا هو هو ذكر خواص الخواص وهذا ليس عليه دليل من كتاب ولا سنة، فهذه وسائل مبتدعة ذمها الشرع المتين.
فلا يجوز للعبد أن يتقرب بالذكر إلا أن يتضمن الذكر معنى كاملاً صحيحاً يقول: الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، يقرأ القرآن ولكن لا يستمر على الذكر بالاسم المفرد مظهراً أو مضمراً، وهذه الطرق المشئومة عند الصوفية أوصلتهم إلى النهايات المشئومة من القول بوحدة الوجود والحلول والاتحاد.
فلو ظل طوال الليل يقول: هو هو، يأتي له الشيطان يقول: الله هذا المصباح أو هذا الجدار فيقتنع الجاهل بذلك ويلتبس عليه الأمر، كما قال أبو يزيد البسطامي: ما في الجب إلا الله، وقال بعضهم -والعياذ بالله-: وما الكلب والخنزير إلا إلهنا.
فهم يعتقدون بأن الله يحل في الأشياء وأن فرعون عندما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤]، لم يخطئ في ذلك يعتذرون لفرعون بأن الله عز وجل حل فيه، وهذا القول كفر مصادم لآيات الله عز وجل ولكتاب الله عز وجل، فمن سلك هذا الطريق أوصله إلى نهايات مشئومة.
فكمال العبودية وكمال التزكية عند أهل السنة والجماعة أن تعتقد بأنك عبد لله عز وجل، فهم يزكون أنفسهم من أجل الوصول إلى تحقيق كمال العبودية لله عز وجل.
وقد وصف الله عز وجل أكابر الخلق بالعبودية فقال: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:١٧٢].
ووصف الله عز وجل نبينه محمداً صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أسمى مواقفه وفي أحسن أحواله فقال سبحانه: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} [الجن:١٩]، وهذا في مقام الدعوة إلى الله عز وجل، وقال في مقام التحدي: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة:٢٣]، وقال في مقام الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} [الإسراء:١]، قال الإمام الطحاوي في تشريفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: وأن محمداً عبده المصطفى ونبيه المجتبى ورسوله المرتضى وأنه إمام الأتقياء وخاتم الأنبياء وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين، وكل دعوى النبوة بعده فغي وهوى، وهو المبعوث إلى عامة الجن وكافة الورى بالحق والهدى، وبالنور والضياء، فهذا كمال التزكية عند أهل السنة والجماعة أن يحقق العبد كمال العبودية لله عز وجل وهي تشريف وتكريم كما قال القاضي عياض: ومما زادني شرفاً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا بخلاف الصوفية الذين يزعمون الفناء والحلول والاتحاد ويقولون: عبدي أطعني أجعلك عبداً ربانياً تقول للشيء كن فيكون، وهذا الحديث موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم، فمهما ترقى العبد لا يكون أفضل من حال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يقول للشيء كن فيكون، بل كان عبداً أنعم الله عز وجل عليه بكمال العبودية وشرفه الله بها وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة)، وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله و