للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الإيمان وشرفه]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

ثم أما بعد: أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها، فاغتر الناس بظاهر الدنيا وزينتها، وظنوا أن السعيد من فاز في الدنيا بشهواتها، ومن وصل إلى جاهها وسلطانها، وهذا لا شك من الغفلة البليغة، ومن الجهل الشنيع بما أعده الله عز وجل للمؤمنين في الحياة الدنيا ويوم يقوم الناس لرب العالمين.

فأهل الإيمان هم أهل السعادة الحقيقية، وأهل الشرف والرفعة في الدنيا والآخرة، فقد شرف الله عز وجل الإيمان وأهله، فعندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله).

ومدح الله عز وجل المؤمنين بإيمانهم، فقال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة:٢٨٥].

ومدح الله عز وجل الأبرار الذين توسلوا بالإيمان؛ لأنهم عرفوا شرف الإيمان، فقال عز وجل في خواتيم سورة آل عمران على لسانهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:١٩٣].

ولشرف الإيمان جعله الله عز وجل شرطاً لانتفاع العبد بعمله الصالح في الآخرة، فقال عز وجل: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:١٩]، فاشترط الإيمان، فالعبد قد يصل رحمه، وقد يبر والديه، وقد يتصدق بصدقة، فإذا كان فاقداً لشرط الإيمان فإنه لا ينتفع بذلك في الآخرة، ولكن لو أسلم لعاد إليه ثواب هذه الأعمال بفضل الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت من خير).

ولو قام العبد قيام السارية في عبادة الله عز وجل ثم أشرك مع الله عز وجل غيره ثم مات وهو فاقد شرط الإيمان لحبط جميع عمله، ولو كان عمله هو خير الأعمال، ولو كان عمل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦]، وهذا من تقدير المحال، وهو جائز في لغة العرب، كما قال عز وجل: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:٨١]، فهو من تقدير المحال، وإلا فالأنبياء معصومون من المعاصي فضلاً عن الشرك بالله عز وجل.

ولشرف الإيمان لم يجعل الله عز وجل للشيطان سلطاناً على عباده المؤمنين، فقال عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:٩٩ - ١٠٠].

ولشرف الإيمان وعد الله عز وجل المؤمنين أجراً عظيماً، وبشرهم بالفضل الكبير، فقال عز وجل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:١٤٦].

وقال: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا} [الأحزاب:٤٧].

ولشرف الإيمان -عباد الله- وعد الله عز وجل المؤمنين بالحياة الطيبة، فقال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧].

ولشرف الإيمان مثَّل الله عز وجل لكلمة الإيمان -وهي كلمة لا إله إلا الله- بالشجرة الطيبة، فقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:٢٤ - ٢٥].

فالشجرة الطيبة شجرة الإيمان، فلا يزال المؤمن يجني من ثمراتها اليانعة ويتمتع بحلاوة ثمرتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً).

وقال: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب الم