(واعلم أن الأمة لو اجتمعت أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك).
وهذا مدار الوصية عباد الله! فلو علم العبد أن الأمر كله لله عز وجل، وأن نواصي العباد بيده سبحانه:{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[هود:٥٦]، وعلم أن خزائن السماوات والأرض بيد الله عز وجل، وعلم أن مقادير الخلائق بيد الله عز وجل؛ فعند ذلك لا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله عز وجل، وعند ذلك يحفظ حدود الله عز وجل وحقوقه وأوامره ونواهيه، فإذا اقتنع العبد وأيقن أن الأمر كله بيد الله، وأن الخلق ملك لله عز وجل، وأن الله عز وجل له الأمر وله النهي وله الحكم؛ فعند ذلك لا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا بالله عز وجل، ولن يطلب الرزق إلا من الله عز وجل، ولا يطلب مغفرة الذنوب إلا منه سبحانه، كذلك لا يطلب الهداية إلا منه سبحانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(رفعت الأقلام وجفت الصحف)، هذا فيه إشارة إلى أن المقادير قد كتبت منذ أزمنة متطاولة؛ ولطول هذه المدة جفت الصحف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله عز وجل كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء)، وكما ورد في الحديث:(إن أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما سيكون إلى يوم القيامة).
فالله عز وجل يعلم قبل أن يخلقنا متى يولد الواحد منا ومتى يرزق ومتى يموت، وهل هو من أهل الجنة أو هو من أهل النار والعياذ بالله، وكل ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله عز وجل السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، قال صلى الله عليه وسلم:(رفعت الأقلام وجفت الصحف).