للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أحوال السلف الصالح وانتفاعهم بأوقاتهم]

كان السلف رضي الله عنهم أحرص الناس على أوقاتهم، وكانوا يبخلون بالوقت والنفس أن ينفق في غير طاعة الله عز وجل أكثر مما يبخل البخيل في إنفاق ماله.

قيل لأحدهم: قف أكلمك.

قال: أوقف الشمس.

وكان أحد العلماء إذا ذهب عنده أناس وجلسوا وأطالوا الجلوس يقول: أما تريدون أن تقوموا؟ إن ملك الشمس يجرها لا يفتر، فقد كانوا يعدون خصال الخير ويبكون على أنفسهم إن فاتهم شيء منها.

دخلوا على عابد مريض فنظر إلى قدميه وبكى وقال: ما اغبرتا فيّ سبيل الله.

وقال بعضهم: أعد ثلاثين خصلة من خصال الخير ليس فيّ شيء منها.

ملئوا الحياة طاعة وعبادة لله عز وجل، وتمنوا لو أنهم استمروا على العبادة بعد الموت، فكان ثابت البناني يقول: يا رب! إن أذنت لأحد أن يصلي في قبره فأذن لي.

ودخلوا على الجنيد وهو في النزع وكان يصلي، فقالوا له: الآن؟ قال: الآن تطوى صحيفتي.

ودخلوا على أبي بكر النهشلي وهو في النزع وكان صائماً، فقالوا له: اشرب قليلاً من الماء، قال: حتى تغرب الشمس.

وبكى أحد السلف عند موته فسئل عن سبب بكائه؟ فقال: أبكي لأن يصوم الصائمون ولست فيهم، ويصلي المصلون ولست فيهم، فهو يبكي لأنه يفارق الدنيا فيصوم الصائمون وليس هو فيهم، ويصلي المصلون وليس هو فيهم، ونحن في الدنيا يا عباد الله! يصوم الصائمون ولسنا فيهم، ويصلي المصلون ولسنا فيهم، ولا نبكي على أنفسنا! كان يزيد الرقاشي يبكي ويقول: يا يزيد! من يبكي بعدك لك؟ من يترضى ربك عنك؟ بكى أحد السلف عند موته، فسئل عن سبب بكائه؟ فقال: إنما يتقبل الله من المتقين.

ولما نزل الموت بـ محمد بن المنكدر بكى بكاءً شديداً، فأحضروا له أبا حازم من أجل أن يخفف عنه، فسأله أبو حازم عن سبب بكائه؟ فقال: سمعت الله عز وجل يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] فأخاف أن يبدو لي من الله عز وجل ما لم أكن أحتسب، فأخذ أبو حازم يبكي معه، فقالوا: أتينا بك من أجل أن تخفف عنه فزدت في بكائه.

قرئ على الإمام أحمد وهو في مرض الوفاة: أن طاوساً كان يكره الأنين، فما أنَّ حتى مات.

أين وصفك من هذه الأوصاف؟ أين شجرة الزيتون من شجر الصفصاف لقد قام القوم وقعدنا، وجدوا في العمل وهزلنا، ما بيننا وبين القوم إلا كما بين اليقظة والنوم.

لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم ليس السليم إذا مشى كالمقعد يا ديار الأحباب! أين السكان؟ يا منازل العارفين! أين القطان؟ يا أطلال على الوجد أين البنيان؟ أماكن تعبدهم باكية، ومواطن خلواتهم لفقدهم شاكية، زال التعب وبقي الأجر، ذهب ليل النصب وطلع الفجر.

إن كنت تنوح يا حمام باني للبين فأين شاهد الأحزان أجفانك للدموع أم أجفاني لا يغبن مدع بلا برهان وإنما ينطبق علينا عباد الله! قول القائل: يا من إذا تشبه بالصالحين فهو عنهم متباعد، وإذا تشبه بالمذنبين فحاله وحالهم واحد! يا من يسمع ما يلين الجوامد وطرفه جامد، وقلبه أقسى من الجلامد! إلى متى تدفع التقوى عن قلبك؟ وهل ينفع الطرق في حديد بارد؟! أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.