[ضعف الإيمان بالله من أسباب المعاصي]
الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد بلا شبيه ولا نظير، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.
وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع دينه على سائر الأديان، فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وسلم تسليماً.
أما بعد عباد الله! فأصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:١٣٤].
عباد الله! مصيبتنا في التفريط واحدة، وأهل الأحزان أهل: إنا ليجمعنا البكاء وكلنا يبكي على شجن من الأشجانِ.
مجلس الذكر مأتم الأحزان، هذا يبكي لذنوبه، وهذا يبكي على عيوبه، وهذا يبكي لفوات مطلوبه، وهذا يبكي لإعراض محبوبه.
عباد الله! كثرت المعاصي في الأرض: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].
قال بعض السلف: أرقهم قلوباً أقلهم ذنوباً.
وقال بعضهم: ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة.
وقال بعضهم: المعاصي سلسلة في عنق العاصي لا يفكه منها إلا الإيمان والتوبة.
وقال بعضهم: المعاصي بريد الكفر -أي: رسول الكفر.
فمهما أكثر العبد من معصية الله عز وجل فإنه يتخذ الشيطان ولياً من دون الله، فيعده ويمنيه، ويضله ويغويه، ولا يرضى منه دون الكفر ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
فكيف علاج المعاصي عباد الله؟ ما هي أسباب كثرة المعاصي في الأرض؟ وكيف يكون علاج ذلك؟ وكيف يحصن العبد نفسه؟ ومن يلوذ به من هذا الشر الواضح، وهذا الإفك الفاضح؟ أسباب المعاصي عباد الله! السبب الأول: ضعف الإيمان بالله عز وجل.
السبب الثاني: هو الجهل بالله عز وجل، والجهل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
السبب الثالث: ضعف العزيمة على الرشد، فالعبد يضعف عندما يأخذ قراراً بأن يستقيم على طاعة الله عز وجل، وأن يترك معصية الله عز وجل، ومن جمع عزمه على ترك المعاصي أتته الأمداد من الله عز وجل من كل جانب.
من أسباب كثرة الذنوب والمعاصي كذلك عباد الله: الغرور والأماني، أي: يعول العبد على رحمة الله عز وجل، ويوقعه الشيطان في المعاصي، ويمد له حبال الغرور والأماني.
من أسباب كثرة الذنوب والمعاصي كذلك: كثرة الشهوات والشبهات.
من أسباب كثرة الذنوب والمعاصي كذلك عباد الله: مخالطة الفاسقين والنظر إلى أفعالهم، ونحن نتكلم اليوم إن شاء الله تعالى، عن السبب الأول والثاني من هذه الأسباب.
فالسبب الأول: هو ضعف الإيمان بالله عز وجل، فكلما قوي إيمان العبد بالله عز وجل فإنه يرضى بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً.
يرضى بقضاء الله عز وجل وقدره، ويرضى بشرعه، ويحب ما يحب الله عز وجل، ويبغض ما يبغضه الله عز وجل، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:٧].
فكلما اكتمل إيمان العبد وكمل حبه لله عز وجل، وحبه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم؛ تجد قلب العبد وجوارحه مطمئنة بطاعة الله، ومطمئنة لما يحبه الله عز وجل ويرضاه، ومبغضة لما يكرهه الله عز وجل ويأباه؛ لأن العبد يفعل المعصية؛ ويحب شيئاً يبغضه الله عز وجل، أو يبغض شيئاً يحبه الله عز وجل، فكلما كمل إيمانه أحب ما يحبه الله، وأبغض ما يبغضه الله عز وجل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).
قال العلماء: ولا يكون بذلك كافراً؛ لأن هذه مقالة الخوارج، أي أنه يخرج من الإسلام بالكلية، ويفقد الإيمان بالكلية.
قالوا: يبقى في قلبه أصل الإيمان، وقالوا: عنده إيمان ضعيف، ولكن هذا الإيمان لا يدفعه إلى طاعة الله عز وجل، ولا يحجزه عن معصية الله عز وجل.
وقالوا: في وقت المعصية ينزع الإيمان من قلبه، ويكون فوق رأسه، فإن تاب عاد إليه مرة ثانية، وإن ل