[موانع السعادة]
يقول: (وهكذا نرى من خلال الواقع أن السعادة الحقيقية ليست في المال ولا في الشهرة، ولا في الشهادات، ولا في المناصب، وما أشبه ذلك من حطام الدنيا.
إذاً: أين تكمن أسباب السعادة، وما صفات السعداء سعادة واقعية حقيقية؟ قبل الإجابة على هذا التساؤل، نمهد لذلك بذكر بعض موانع السعادة على وجه الاختصار).
فيذكر من موانع السعادة: الكفر.
يقول: كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] لا يمكن للكافر أن يصبح سعيداً، لا يمكن أن تجد كافراً سعيداً.
ومن موانع السعادة أيضاً: المعاصي والآثام والجرائم).
ومع أن الأدلة كثيرة على ذلك من الواقع ولكنه أورد أدلة هنا من كلام الكفار أنفسهم، من باب: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف:٢٦].
يقول: (ولن أستشهد على هذا الأمر فهو واضح جلي، لكن أذكر قولاً من أقوال الكفار، لبيان هذه القضية.
يقول ألكس كاريل: إن الإنسان لم يدرك بعد فداحة النتائج التي تترتب على الخطيئة، ونتائجها لا يمكن علاجها على وجه العموم).
يعني: إذا عمل الإنسان خطيئة يجد نتيجة هذه الخطيئة.
(ويقول سقراط -وهو كافر-: إن المجرم دائماً أشقى من ضحيته، وإن من يكون مجرماً ولم يعاقب على جرمه يكون من أشقى الناس).
يعني: يصف من قتل أو فعل شيئاً من هذه الفواحش والمعاصي ولم يعاقب أنه يعيش شقياً بجريمته، فهذا شقاء في الدنيا ونكد معجل لهؤلاء: {ولَنُذِيقَنَهُم مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ} [السجدة:٢١].
يقول: (فهكذا يقول هذان الكافران، بينما نجد أن صحابياً أذنب، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله طهرني، وكررها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام عليه الحد)).
ثم يذكر من موانع السعادة: الحسد والغيرة، والحقد والغل.
ثم يقول: (فإن الظلم مرتعه وخيم، وعاقبته سيئة إلى أبعد الحدود، يقول: فلنقف على مثالين معاصرين يصوران عقبى الظلم ومآل الظلمة، يقول: هما حمزة البسيوني وصلاح نصر، فقد كانا من جنود زعيمهما الهالك جمال عبد الناصر -لعنة الله على الظالمين-، يقول: صبا على الدعاة إلى الله من الظلم والعذاب ما تقشعر له الأبدان، ولكن: كيف كانت حياتهما؟ شر حياة.
أما حمزة البسيوني فقد بلغ به التجبر والطغيان إلى حد أنه كان يقول للمؤمنين وهو يعذبهم حينما يستغيثون بالله يقول: أين إلهكم لأضعه في الحديد؟ وأما صلاح نصر فقد كان يعقد على زوجات الناس عقوداً وهمية، وهن في عصمة رجال آخرين ويتزوجهن، لكن كيف كانت نهاية أولئك الطغاة؟ يقول: حمزة البسيوني اصطدمت سيارته وهو خارج من القاهرة إلى الإسكندرية بشاحنة تحمل حديداً، فدخل الحديد في جسمه من أعلى رأسه إلى أحشائه، وعجز المنقذون أن يخرجوه إلا قطعاً.
هكذا أهلكه الله بالحديد، وهو الذي كان يقول: إنه سيضع الله في الحديد، تعالى الله عما يقول الظالمون).
وضع الله في جسمه الحديد وأهلكه بالحديد.
يقول: (وأما صلاح نصر فقد أصيب بأكثر من عشرة أمراض مؤلمة مزمنة، عاش عدة سنوات من عمره في تعاسة، ولم يجد له الطب علاجاً، حتى مات سجيناً مزجوجاً به في زنزانات زعمائه الذين كان يخدمهم: (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته).
ثم يذكر أيضاً من موانع السعادة: الخوف من غير الله عز وجل، والتشاؤم، وسوء الظن، والكبر، وتعلق القلب بغير الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة))، يعني: كل من علق قلبه بغير الله فهو في تعاسة وشقاء، سواء كان مالاً أو دنيا أو امرأة لابد من التعاسة والشقاء.
ثم يذكر المخدرات في موانع السعادة فيقول: (إن كثيراً من الناس يتوهم أن السعادة تجتلب في معاقرة المخدرات والمسكرات، فيقبلون عليها قاصدين الهروب من هموم الدنيا ومشاغلها وأتراحها، وإذا بهم يجدون أنفسهم كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ لأن المخدرات في الحقيقة من الحوائل دون السعادة، وأنها تجلب الشقاء واليأس والانحلال والدمار؛ دمار الفرد والمجتمع والأمة، وإن لنا في الواقع الحاضر لخير شاهد على ذلك، فليعتبر أولو الألباب).
ثم يختم الرسالة بذكر أسباب السعادة، فيبين أن أعظم سبب في السعادة هو الإيمان بالله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧] أي: سعادة حقيقية في الدنيا، ثم ينتقل إلى سعادة الأبد في الآخرة، يقول تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَ