إن شجرة التقوى عباد الله أطيب من شجرة الإيمان، وإن شئت قلت: شجرة التقوى عباد الله! هي أطيب شجرة من شجرات الإيمان؛ لأن التقوى منزلة أعلى من منزلة الإيمان، مع أن منزلة الإيمان منزلة عالية، فقد زعمت أعراب بني أسد الإيمان، ونفى الله عز وجل هذه المنزلة الشريفة والدرجة المنيفة عنهم، فقال عز وجل:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات:١٤].
ولكن منزلة التقوى أشرف من درجة الإيمان، سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في حديث جبريل عن الإسلام فقال:(أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الإسلام هو استسلام الظاهر لله عز وجل، وهو شهادة الحق، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، ثم سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الإيمان فقال:(أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره).
فهذه الدرجة الثانية عباد الله، فمن عبد الله عز وجل بدرجة الإسلام، واستسلم ظاهره لله عز وجل، فهو آمن من الخلود في النار، ولكنه لا يأمن من دخول النار بالكلية.
ومن عبد الله عز وجل بدرجة الإيمان فإنه آمن من عذاب النار، وإنه يدخل الجنة من أول وهلة؛ لأن الله عز وجل وعد المؤمنين أجراً عظيماً.
وقال عز وجل:{وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:١٤٦].
وبشر الله المؤمنين بالفضل الكبير، فقال عز وجل:{وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا}[الأحزاب:٤٧].
أما الدرجة العالية فهي درجة الإحسان وهي درجة التقوى، (سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) فهذه هي درجة التقوى: أن يحسن العبد إيمانه وعبادته لله عز وجل، فكأنه يرى الله عز وجل وهو يعبده، ولا شك أن العبد إذا كان يعتقد أنه يرى الله عز وجل ويحس بأنه يراه، لا شك أنه يأتي بالعبادة على وجهها.
ولما كان هؤلاء يعبدون الله عز وجل على المشاهدة والحضور، كأنهم يرون الله عز وجل وهم يعبدونه، كان جزاؤهم في الآخرة الحسنى وزيادة، والحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله عز وجل، فلهم أوفر نصيب من أعظم نعيم أهل الجنة، فلهم الجنة وزيادة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله عز وجل الكريم.