قال تعالى:{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف:١٠] والرشد هو أن تعرف الحق وتتبعه، {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ}[البقرة:٢٥٦] وهو بخلاف الغي، {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً}[الكهف:١٠](من لدنك) أي: من عندك رحمة عظيمة تشملنا بها، {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١١ - ١٢] ففي القصة المختصرة لم يذكر عدد السنين التي مكثوا فيها في الكهف، وبيّن عز وجل أنه ضرب على آذانهم إشارة إلى حجب حسّهم؛ لأن النائم غالباً يستيقظ من حاسة السمع، وقوله:{فَضَرَبْنَا}[الكهف:١١] أي: جعلنا على آذانهم حجاباً شديداً، كما قال عز وجل:{وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}[البقرة:٦١] أي: كتب الله عز وجل عليهم الذلة.
إذاً: حجب الله عز وجل عنهم حاسة السمع؛ حتى لا يستيقظوا، كما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم:(أن رجلاً ينام إلى الصبح ولا يستيقظ لصلاة الفجر، فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه)؛ لأن العبد يستيقظ غالباً من حاسة السمع، {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا}[الكهف:١١ - ١٢] فاختلفوا في الحزبين، فقيل: الذين قالوا من أهل الكهف: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}[الكهف:١٩]، وهم الذين قالوا:{رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ}[الكهف:١٩] وكأنهم أحسوا أنهم مكثوا مدة طويلة، ولكنهم لا يستطيعون حصرها، وقيل: أحد الحزبين أهل المدينة عندما اطلعوا على أمرهم، والحزب الثاني هم أصحاب الكهف، وقيل: الحزبان من أهل المدينة.
وعلى كل حال فالراجح تفسير القرآن بالقرآن، فالراجح هما حزبان من أهل الكهف كما سيأتي في تفصيل القصة.