قال رحمه الله: وإنما يكون الأمان غداً لمن خاف الله تعالى.
قال رجل للحسن البصري: ما نفعل بأقوام يخوفوننا حتى تكاد قلوبنا أن تطير؟ فقال له الحسن البصري: لأن تخوف حتى تدركك المآمن خير لك من أن تأمن حتى تدركك المخاوف.
قال الله عز وجل:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن:٤٦]، وقال عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}[الملك:١٢].
فمن خاف الله عز وجل في الدنيا أمنه الله عز وجل يوم القيامة، ومن أمن مكر الله عز وجل في الدنيا أخافه الله عز وجل يوم القيامة، وأدركته المخاوف يوم القيامة.
وإنما يكون الخوف عباد الله! نتيجة لعلم العبد بالله عز وجل وبدين الله عز وجل، وبعلم العبد بعيوب نفسه وسيئات عمله، فكلما ازداد علم العبد بالله عز وجل وأسمائه وصفاته وربوبيته وإلهيته ازداد خوفاً من الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:(أنا أعلمكم بالله وأشدكم له خشية)، وكما قال عز وجل:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨].
قال ابن مسعود: كفى بخشية الله علماً، وكفى باغترار بالله عز وجل جهلاً.
وقيل للإمام الشعبي: يا عالم، قال: إنما العالم من يخشى الله.
فكل من علم عن الله عز وجل وأسمائه وصفاته ودينه يزداد خوفاً من الله عز وجل، فمن ثم غلب الخوف على الأنبياء والأولياء والعلماء، وغلب الأمن على الفراعنة الأطغياء، والكفرة والعوام والرعاع والطغام حتى كأنهم قد حوسبوا وفرغ منهم، فلم يخشوا سطوة العقاب، ولا نار العذاب، ولا بعد الحجاب:{نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[الحشر:١٩].