إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أما بعد.
فيقول عز وجل:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ}[الكهف:٢١]، فكان في قدر الله عز وجل أن أطلع أهل البلاد عليهم.
{لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}[الكهف:٢١] أي: وعده لأهل الإيمان ونجاته لهم، وكيف يفعل الله عز وجل بهم الأعاجيب؟! {لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا}[الكهف:٢١]، ويبدو كما قال بعض المفسّرين: إن هؤلاء الفتية كانوا أمراء أو كانوا أثرياء، ولذلك حفظ الناس أنهم خرجوا في زمان غابر، وأتت اليهود ليسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خبرهم، فكان لأمرهم شأن، وكأن هؤلاء كانوا يحفظون أن فتية خرجوا منذ أزمنة متطاولة، ولم يدروا كيف فعل الله عز وجل بهم:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا}[الكهف:٢١]؛ فالله عز وجل أنامهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ثم بعثهم، فهذا من أدلة البعث عباد الله؛ لأن النوم نوع من الموت، كما قال عز وجل:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}[الزمر:٤٢]، فالله عز وجل يقبض الأرواح عند الموت وكذلك عند النوم، فمن شاء الله عز وجل له أن يعيش يوماً جديداً يرد الله عز وجل إليه روحه؛ لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام وضع كفه الأيمن تحت خده الأيمن، وقال:(باسمك اللهم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه؛ فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)، وكان يقول:(الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور).
وفي هذه القصة يقول عز وجل:{وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ}[الكهف:١٩]؛ لأن هذا النوم يشبه الموت، والبعث بعد الموت، لعل الناس يعتبرون بذلك ويتذكرون الموت كل يوم.