للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفهوم الشكر وفضله وطرائفه]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

النصف الثاني من الإيمان عباد الله! هو الشكر، والشكر تعريفه قيل: هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف، وهو يكون على القلب واللسان والجوارح.

فالقلب لمعرفة النعمة، تعرف أن هذه نعمة من عند الله عز وجل لا تنسبها إلى نفسك، ولا ترى أنك تستحق هذه النعمة، كما قال قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨]، كمن ينعم الله عز وجل عليه بنعمة المال فيقول: هو باجتهادي وهو بذكائي، وما رأى أن الله عز وجل يكتب الرزق لمن يشاء ويقدر، وأن من العباد من يكون أغبى الخلق وتراه كذلك أكثر الناس مالاً، ومنهم من يكون أذكى الناس، ولكن الله عز وجل يقدر له رزقه، كما قال بعضهم: تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب فينبغي للعبد أن يعرف النعمة، وأن يعترف بأنها نعمة، وأنها من عند الله عز وجل، فالقلب لمعرفة النعمة ولمعرفة المنعم بهذه النعمة.

واللسان لحمد الله عز وجل، والثناء عليه والتحدث بنعمه، كما قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١].

قال بعضهم: تحدثوا بنعم الله عز وجل فإن التحدث بها شكر، قال عز وجل: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١]، فالعبد قد يكون ميسور الحال، ولكنه يظهر للناس أنه فقير ومحتاج، وكي تظهر للناس نعمة الله عز وجل عليه ينبغي أن تظهر نعمة الله عز وجل على لسانه وعلى حاله، حتى يعرف الفقراء من الأغنياء فيطلبون حقهم منهم، فاللسان عباد الله! للتحدث بالنعمة ولحمد الله عز وجل وللثناء على الله عز وجل، والجوارح لاستعمال النعمة في طاعة الله عز وجل، كما قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣].

قالوا: ما كانت تمر على آل داود ساعة من ليل أو نهار إلا وفيهم عبد مصل لله عز وجل أو ذاكر لله عز وجل (وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تتورم ساقاه وحتى تتفطر قدماه فيقال له: أتفعل ذلك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً)، بل هو بأبي وأمي سيد الشاكرين وسيد الصابرين صلى الله عليه وآله وسلم.

فينبغي للعبد أن يستعمل النعمة في طاعة الله عز وجل، كما قال موسى عليه السلام: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧] أي: أن العبد الذي ينعم الله عز وجل عليه بالقوة أو بالمكانة أو بالشفاعة أو بالمال، ينبغي أن يستعمل النعمة في طاعة الله عز وجل ولا يستعملها في معصيته.

هناك بند رابع للشكر قل من تنبه له: وهو أن تشكر من أتت النعمة على يديه، فهذا من شكر نعمة الله عز وجل عليك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)، فالنعمة من الله عز وجل، ولكن الله تعالى يسوقها إليك عن طريق بعض خلقه، وغالباً يكون محباً أو يكون لبيباً عاقلاً مؤمناً، فينبغي أن تشكر كذلك من أتت النعمة على يديه! فهذه بنود أربعة للشكر عباد الله.