للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثمرات الآجلة للتقوى]

أما الثمرات الآجلة لتقوى الله عز وجل: فأهل التقوى هم الورثة الحقيقيون لجنة الله عز وجل، والآخرة: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٥].

وقال عز وجل: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم:٦٣].

وقرأ: {نُوَرِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم:٦٣].

فأهل التقوى هم الورثة الحقيقيون لجنة الله عز وجل، وهم يتمتعون بعز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، كما قال عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢].

فهم ينالون عز الفوقية على الخلائق يوم القيامة.

والتقوى عباد الله: تجمع بين أهلها يوم القيامة، حين تنقلب كل خلة وكل مودة وكل محبة وكل صداقة إلى عداوة ومشاقة، كما قال عز وجل: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧].

فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.

فالمتقون كانت محبتهم وخلتهم وأخوتهم في الله عز وجل، فدامت صحبتهم في الدنيا والآخرة.

أما غير المتقين فإن محبتهم تنقلب إلى عداوة ومشاقة في الدنيا قبل الآخرة.

ومن ثمرات التقوى الآجلة كذلك: أنهم ينالون أعلى درجات الجنة، كما قال عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} [النبأ:٣١]، فأجمل المفاز، ثم فصل فقال: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} [النبأ:٣٣ - ٣٦].

وقال: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:٤٩]، فأجمل المآب الحسن وهو المرجع الحسن، ثم فصل فقال عز وجل: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ * مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ * إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} [ص:٥٠ - ٥٤].

وأخبر عن قربهم من الحضرة واللقاء، والرؤية والبهاء، فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:٥٤ - ٥٥].

والمتقون يساقون إلى جنة الله عز وجل زمراً زمراً، أي: جماعات جماعات، قيل: الأنبياء مع الأنبياء، والعلماء مع العلماء، والشهداء مع الشهداء، وقيل: كل جماعة وكل مجموعة كانت متعاونة على تقوى الله عز وجل، فإنها ينادى عليها يوم القيامة، وتكون زمرة من الزمر الطيبة التي تساق إلى جنة الله عز وجل، وإلى رحمة الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣].

فالله عز وجل يقرب لهم الجنة، لا يقول لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة، بل يقول عز وجل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:٣١].

يقرب الله عز وجل لهم الجنة لتحيتهم واستقبالهم، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتقين، وأن يحشرنا مع زمرتهم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.