[مكانة أهل الأموال والجاه والسلطان المغرورين عند الله عز وجل]
قال تعالى: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ:٣٥].
{أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:٥٥ - ٥٦].
يخبر الله عز وجل الذين يملكون من أعراض الدنيا وسلطانها وأموالها واغتروا بذلك، وظنوا أن الله عز وجل يسارع لهم في الخيرات، يخبرهم أن هذا ظن فاسد منهم، وأنهم أصحاب بصائر مطموسة، فهم يظنون أن لهم كرامة وأن لهم شرفاً، مع أنهم يكفرون بالآخرة، ومع أنهم لا يسعون للآخرة سعيها، {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سبأ:٣٧]، فكيف يكون كريماً على الله وهو يكفر بالله عز وجل؟ وكيف يكرمه الله عز وجل وهو كافر بالله عز وجل؟ قال عز وجل: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:٥٣]، أي: جعل الله عز وجل الفقراء فتنة للأغنياء كما جعل الأغنيا فتنة للفقراء، فلما رأى الأغنياء الفقراء يسارعون إلى الإيمان بالله عز وجل وإلى طاعة الله عز وجل قالوا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [الأحقاف:١١]، أي: لو كان هذا الدين خيراً لكنا نحن أولى به؛ لأننا أولى بكل خير.
{وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:٣١]، كيف تنزل الرسالة على رجل فقير يتيم وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي نزل عليه القرآن وكان يتيماً في الصغر، وكان فقيراً، فلو كان هذا الدين خيراً لنزل على الوليد بن المغيرة، أو عروة بن مسعود الثقفي بالطائف، فقال عز وجل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:٥٣]، فالله عز وجل أعلم بمن يشكر نعمته ويقدرها، والدنيا يعطيها الله عز وجل من يحب ومن لا يحب، كما قال عز وجل: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء:٢٠]، فالله عز وجل لحقارة الدنيا عنده يعطيها من يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين والإيمان إلا لمن أحبه، (فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
وقال الله عز وجل: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٣ - ٣٥] أي: لولا أن تكون الفتنة شديدة على أهل الإيمان لجعل الله عز وجل لمن يكفر به أبراجاً وسلالم عليها يتكئون؛ لحقارة الدنيا عند الله عز وجل، (فلو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء).
{وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:٣٥] أي: كل ذلك من المتاع الزائف الزائل.
ثم جعل الله عز وجل الآخرة للمتقين فقال: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٥].
فهذا الرجل يعلن كفره بالله وبالآخرة وبالقيامة، ويستبعد أن تزول جنة الدنيا، ثم يعتقد أنه لو كانت هناك قيامة فإنه سوف يكون أيضاً له مال وله جاه وشرف وله أتباع، وهذا يظنه كثير من الأغنياء وإن لم يصرحوا بألسنتهم، ولكنهم يعتقدون بقلوبهم أن لهم شرفاً ورفعة في الآخرة.
وهذا عكس الواقع عباد الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم، يقال له: بلس، تعلوه نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار -طينة الخبال-، يطؤهم الناس بأقدامهم)، فالرؤساء والأمراء والوزراء والذين كانت لهم صولة وجولة في الدنيا إذا كانوا من أهل الكبر تجدهم يوم القيامة يخلقهم الله عز وجل في حجم الذر -وهي صغار النمل- في صور الرجال؛ عقوبة لهم على تكبرهم وعلى تعاليهم على عباد الله عز وجل، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يقال له: بلس، تعلوه نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار -طينة الخبال-، يطؤهم الناس بأقدامهم.
فالقيامة -عباد الله- خافضة رافعة، تخفض أهل الكفر والعصيان، وترفع أهل الإيمان، {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ