قال تعالى:{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف:٦٦]، فهذا من سوء أدبهم مع أنبياء الله عز وجل مع أنهم يعرفون شرف نسبه، ومع أنه دعاهم في النسب فكان ينبغي عليهم أن يتأدبوا معه، ولكنه الكفر فإنه يطمس على القلوب والعقول، هو يدعوهم إلى الله عز وجل، وهم يدعونه إلى عبادة الأصنام! وقد قال ابن كثير رحمه الله بأنهم أول من عبد الأصنام بعد قوم نوح عليه السلام، فإنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلها على التوحيد، فابتدأت البشرية بالتوحيد، ثم لما عبدت الأصنام أهلك الله عز وجل أهل الأرض، وبقي نوح عليه السلام وذريته ومن كان معه في السفينة، فلم يكن لآدم ذرية إلا من جهة نوح عليه السلام، ولهذا قال تعالى:{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ}[الصافات:٧٧]، ثم جاء بعد ذلك قوم عاد فكانوا أول من عبد الأصنام بعد قوم نوح عليه السلام، وكانوا يسكنون بالأحقاف في جنوب الجزيرة العربية بين عدن وحضرموت.
قال الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}[الفجر:٦ - ٨]، ميزهم الله عز وجل ببسطة في أجسامهم، وقوة في أبدانهم، وكانت البشرية -عباد الله- تتفاوت تفاوتاً ليس بالقليل في الأعمال وفي الأجسام.
فهذا نوح عليه السلام يمكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله عز وجل، وهي عمر الدعوة وليس عمر نوح عليه السلام، وهذا آدم كما ورد في الحديث الصحيح:(بأن أهل الجنة يدخلون الجنة على طول أبيهم آدم ستون ذرعاً) أي: ما يقرب من خمسين متراً، أي: ارتفاع عمارة ثلاثين دوراً أو أكثر من ذلك، فهكذا كانت البشرية، ولكن يبدو أن عاد كانوا أطول من الأقوام الذين قبلهم، كما قال تعالى:{وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً}[الأعراف:٦٩].
فهم يستهزئون بنبي الله هود عليه السلام ويقولون:{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف:٦٦]، وهذا الظن ظن كاذب فهم يعتقدون الصدق ولكنه الكفر الذي طمس على قلوبهم، وكذا الكبر وبطر الحق ورد الحق.
والرسل هدفهم هداية البشرية، وأن يبلغوا البلاغ المبين، فيصبرون على أذى قومهم صبراً طويلاً، كما قال عز وجل:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}[الأحقاف:٣٥]، والله عز وجل يعلم الدعاة إلى الله عز وجل كيف يكون صبرهم على الدعوة وعلى جفاء الناس وعلى إعراض الناس فهم يقولون للرسول الكريم:{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[الأعراف:٦٦]، فلم يقل لهم: أنتم السفهاء وأنتم الكذابون بل قال: {يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}[الأعراف:٦٧ - ٦٨]، يبلغهم رسالات الله عز وجل وهو لهم ناصح أمين.
فهؤلاء الرسل هم أولى الناس بكل صفة للإحسان فهم يدرءون بالحسنة السيئة، الناس يسيئون إليهم وهم يحسنون إلى الناس، والناصح الأمين لا يكذب، ولا يغش قومه بل ينصح لهم ويحرص على هدايتهم.
ثم قال تعالى:{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ}[الأعراف:٦٩]، أتعجبون أن جاءكم تيسير من الله عز وجل ورسالة من الله عز وجل على رجل منكم؟ فهذا ليس بعجيب ولكن الكفر الذي يطمس على القلوب يجعلهم يتعجبون من الأشياء التي ليس فيها عجب، ويظنون أن ما هم عليه من الباطل هو الحق الواضح وأن غيره ليس بعزيز، فهم يتعجبون أن الله عز وجل يرسل إليهم بشراً كما أخبر الله عز وجل أن المكذبين في كل زمان ومكان يتعجبون من ذلك ويقولون:{أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا}[التغابن:٦]، أي: فكيف يهدينا بشر؟ ولو يشاء الله عز وجل لأنزل ملائكة، وإنما الحكمة من كون الرسول من البشر أنه يحس بإحساسهم، ويتحرك في وسطهم، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ}[الكهف:١١٠]، فالناس يقتدون ويتأسون به، فالرسل بشر من البشر، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ}[يوسف:١٠٩]، والله عز وجل لو أرسل ملكاً لجعل هذا الملك في صورة رجل كذلك، والتبس الأمر على الناس، فيقولون: هل هذا ملك أو هذا من البشر؟ قال تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَا