للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظم جريمة القتل]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

قال عز وجل: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ * مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة:٣٠ - ٣٢].

بين الله عز وجل عظم هذه الجريمة جريمة القتل، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعظم محفل شهدته البشرية وأشرف اجتماع حدث على وجه الأرض في حجة الوداع: (إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).

وقال: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) أي: إن وقع في معاص دون القتل فهو في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً.

بل سد النبي صلى الله عليه وسلم الذرائع إلى هذه الجريمة التي هي أكبر الجرائم بعد الكفر بالله عز وجل، ولذلك قال الله عز وجل في وصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} [الفرقان:٦٨]، فذكر بعد الشرك قتل النفس، ثم ذكر الزنا، ولذلك كانت عقوبة الردة عن دين الإسلام القتل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه).

كذلك من قتل يقتل قصاصاً أو يرضى أولياء المقتول بالدية، فعظم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجريمة وسد الذرائع إليها، وقال: (لا يشيرن أحدكم إلى أخيه بحديدة فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار) أي: لا يفعل ذلك وإن كان مازحاً، لا يشير إلى أخيه بحديدة أو بقطعة سلاح أو سكين ولو على سبيل الهزل، لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار.

وأمر النبي صلى الله عليه وسلم من يحمل أسهماً أن يأخذ بنصالها؛ لئلا تخدش مسلماً.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى الكعبة ويقول: إن الله حرمك وشرفك وعظمك، والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.

فحرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة التي حرمها الله عز وجل وكرمها وشرفها.

قال عز وجل: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:٣٠]، كيف تطوع النفس عباد الله؟! وكيف تسهل لصاحبها الوقوع في هذه الجريمة الشنيعة؟ ثم لم يدر كيف يفعل بأخيه، فأكثر المفسرين أخذوا من الإسرائيليات أن غرابين تقاتلا فقتل أحدهما الآخر فدفنه، فاهتدى ابن آدم إلى سنة الدفن، ولكن الله عز وجل ما أخبر أنه بعث غرابين بل بعث غراباً، فالراجح أن هذا الغراب كان يحفر في الأرض يبحث عن شيء، أو يدفع شيئاً، فاهتدى بذلك هذا الرجل إلى سنة الدفن.