[الأمور التي يتبين بها خطورة الوقت وأهميته]
وإنما تكمن قيمة الزمن وقيمة العمر في ثلاثة أشياء عباد الله: الأمر الأول: أن كل نفس من أنفاس العمر جوهرة ثمينة، تستطيع أن تشتري بها كنزاً لا يفنى أبد الآباد، فكل يوم تعيشه هو غنيمة، بل كل لحظة من لحظات عمرك هي غنيمة؛ لأنك لو تاجرت بها مع الله عز وجل لربحت أعظم الأرباح.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنكم تؤجرون عليه، أما إني لا أقول: آلم حرف، ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بني له قصر في الجنة).
وقال: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب).
وقال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له بها نخلة في الجنة) فانظر إلى مضيعي الساعات كم يفوتهم من النخيل.
الأمر الثاني: أن الأوقات التي قدرها الله عز وجل لنا مغيبة عنا، وأن عدد الأنفاس التي قدرها الله عز وجل لنا مغيبةٌ عنا، فالعبد قد يملك مالاً بالمليارات، فإذا أنفق بالآلاف أو بالملايين فهو يعلم أن هذا لا يؤثر كثيراً في رأس المال، فإذا كان العبد لا يعلم رأس المال فكل وقت ينفقه في غير طاعة الكبير المتعال نوع من المخاطرة.
قال الحسن البصري: المبادرة المبادرة -أي: بادروا بطاعة الله عز وجل وبالأعمال الصالحة- فإنما هي أنفاس، لو حبست انقطعت عنكم أعمالكم التي تتقربون بها إلى الله عز وجل، رحم الله امرأً نظر في نفسه ثم بكى على عدد ذنوبه، ثم قرأ: {إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا} [مريم:٨٤] يعني: الأنفاس، فإن آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراقك أهلك، آخر العدد دخولك في قبرك، أي: أن الله عز وجل قدر لنا عدداً وحدد لنا أنفاساً، فمهما تنفس العبد نفساً سجل عليه حتى يصل إلى آخر العدد، فلكل عبد منا عد تنازلي، ولا يدري متى يكون آخر العدد، ولا يدري متى ينتقل العبد من دار العمل ولا حساب إلا دار الحساب ولا عمل، فبعد أن كان يتحرك على ظهر الأرض بطاعة الله عز وجل أو بمعصية الله صار محبوساً في باطن الأرض في برزخ إلى يوم يبعثون.
الأمر الثالث: أن آخر نفس تتنفسه وآخر عمل تعمله تتعلق به العاقبة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) أي: مهما كانت الأعمال موافقة لشرع النبي عليه الصلاة والسلام فإنها لا تكون مقبولة، ولن ينتفع العبد بها في الآخرة حتى تتوفر النيات الصالحة.
كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم) أي: مهما كان عمل العبد، فمن ختم له بعمل من أعمال أهل الجنة دخل الجنة، ومن ختم له بعمل من أعمال أهل النار دخل النار، ألا تخشى أن النفس الذي تتنفسه في غير طاعة الله عز وجل يكون آخر الأنفاس وتتعلق به العاقبة؟ ما أصعب العمى بعد البصيرة، وأصعب منه الضلالة بعد الهدى، والمعصية بعد التقى، كم من وجوه خاشعة وقع على قصص أعمالها: عاملة ناصبة، كم من قارب مركبه ساحل النجاة، فلما هم أن يرتقي لعب به موج فغرق، فكل العباد تحت هذا الخطر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فليس العجب ممن هلك كيف هلك، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده! إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) فالأعمال بالخواتيم.
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن الرجل ليعمل زماناً بعمل أهل الجنة وهو من أهل النار.