إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
قال الله عز وجل:{وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:٣٩ - ٤٢]، فمن لم يعتبر بغيره -عباد الله- صار عبرة لغيره، وهذا ما حدث من قارون الذي كان له من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، واغتر بثروته وماله وركن إليه، فأهلكه الله عز وجل هو وماله وخزائنه وقصره، {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ}[القصص:٨١].
كذلك الذين تمالئوا واجتمعوا على أن يخرجوا في الصباح الباكر من أجل أن يجمعوا ثمار حديقتهم قبل أن يستيقظ الفقراء من نومهم؛ حتى لا يأخذ الفقراء حقهم، {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ}[القلم:١٩ - ٢٠]، فصارت فحمة، {فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَارِمِينَ}[القلم:٢١ - ٢٢]، فخرجوا في الصباح الباكر، فإذا هي فحم محترق عباد الله، فحرموا من جنة الدنيا؛ لأنهم لم يشكروا نعمة الله عز وجل عليهم، فكل من كفر بنعمة الله عز وجل عليه ولم يؤد واجب الله عز وجل عليه فهو مهدد بزوال ماله في الدنيا، بالإضافة إلى عقوبة الآخرة.
فأخبر عز وجل في قصة صاحب الجنتين أنه قد تحقق ما توقعه الرجل المؤمن عندما قال:{فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا * وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}[الكهف:٤٠ - ٤٢]، عند ذلك تذكر نصيحة المؤمن له، وكيف أنه قابل نعمة الله عز وجل بالكفر، بدلاً من أن يشكر الله عز وجل، فندم على أنه كفر بالله عز وجل وأشرك مع الله عز وجل غيره.
{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ}[الكهف:٤٢] أي: أحيط بجميع ثمره فلم يبق منه شيء، وأصبح يقلب كفيه كما يفعل المتندم والمتحسر إذا فاته شيء، {عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الكهف:٤٢ - ٤٣]، أي: ما كان معه من الأتباع والأنصار الذين يساعدونه على تمرده وكفره وعتوه واستكباره لم يستطيعوا نصرته، فإذا أتى بأس الله عز وجل وعذابه فلا يستطيع أحد من البشر أن يرده؛ لأنهم أقل من ذلك حيلة، فليس للبشر حيلة ولا وسيلة إذا نزل بأس الله عز وجل وعذاب الله عز وجل، فما كان لهذا الرجل فئة تنصره وتدفع عنه عذاب الله ونقمته، وما كان في نفسه منتصراً.
جاء تفسير هذه الآية على أحد تفسيرين: الأول: أن جميع الناس عند نزول العقوبة يتولى الله عز وجل، فالمؤمن يتولى الله عز وجل في الرخاء وفي البأس وفي الشدة، أما الكافر والفاجر فإنه يتولى الله عز وجل إذا نزل به بأس الله، فكيف تنفعه هذه الموالاة، كما قال فرعون عندما عاين الغرق:{قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس:٩٠] فقيل له: {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس:٩١ - ٩٢].
فالجميع يؤمن بالله عز وجل ويتولى الله عز وجل بعد نزول العقوبة، ولكن العبرة أن تعرف الله عز وجل وأنت في الرخاء والنعمة، قبل أن ينزل بك بأس الله عز وجل، فهذا التفسير الأول وهو بفتح الواو في قول الله عز وجل:{هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ}[الكهف:٤٤]: أي: الكل يتولى الله عز وجل بعد نزول البأس والعقوبة.