[الرد على من استدل بقصة البناء على الفتية بجواز بناء المساجد على القبور]
قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا}[الكهف:٢١]، قال بعضهم: اجعلوا بنياناً على هذا المكان، كأن هذا المكان سيكون من الآثار أو من الأشياء التي تُحترم وتزار.
وقال بعضهم: ابنوا عليهم مسجداً، {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[الكهف:٢١].
واستدل بعض من ليس عنده حظ من العلم والهدى بهذه الآية على جواز إقامة المساجد على القبور، ورد ذلك العلامة الألباني بثلاثة أدلة: الأول: أن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا على الراجح، فهذا إن جاز في شرعهم فلا يجوز في شرعنا، إن جاز في شرعهم أن يبنوا عليهم مسجداً، وأن يتخذوا على قبور الصالحين مسجداً، فهذا لا يجوز في شرعنا؛ لأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.
الثاني: لو فرضنا على قول من يقول بأن شرع من قبلنا شرع لنا، فاشترطوا ألا يأتي في شرعنا ما يخالفه، وقد أتى في شرعنا ما يخالفه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وكان هذا من آخر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، في مرض موته:(كان يطرح خميصة على وجهه فإذا اغتم بها كشفها، وقال وهو كذلك: لعن الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، تقول السيدة عائشة: يحذّر ما صنعوا.
فإن قال قائل: هذا خاص باليهود والنصارى، نقول: لماذا لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموطن؟ من أجل ألا يتشبه المسلمون بهم، ومن أجل ألا يتعرضوا للعنة بما لُعن به اليهود والنصارى، فأتى في شرعنا ما يخالفه، فإن كان هذا شرع من قبلنا ففي شرعنا ما يخالفه.
الثالث: أن هذا لم يكن شريعة عندهم؛ لأن الله عز وجل ما قال هذا في شريعتهم، بل قال:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}[الكهف:٢١]، وهؤلاء الغالب عليهم الجهل، أهل الجاه وأهل السلطان وأهل الأموال قالوا: لنتخذن عليهم مسجداً، على عادة الناس إذا أرادوا أن يكرموا أحداً يقولون: نتخذ عليهم مسجداً، مع أن هذا مخالف لشرعنا، ولما ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة في الحبشة فيها من التصاوير، قال:(أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، واتخذوا فيه تلك التصاوير، أولئك هم شرار الخلق عند الله)؛ أي: من أجل الأمرين: الأمر الأول: اتخاذ التصاوير، والأمر الثاني: أنهم يتخذون على قبره مسجداً.