للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله]

أعلى تجارة وأغلاها بذل النفس والمال في سبيل الله عز وجل دفعة واحدة، لا يستبقي العبد من ذلك شيئاً، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة دخل الجنة).

وقوله: (فواق ناقة) هو الزمن بين الحلبتين.

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفقة من دمه، ويجار من عذاب القبر، ويأمن الفزع الأكبر، ويحلى حلية الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه).

(وقيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ فقال: كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة).

وقال: (والذي نفسي بيده لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل).

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (ما من أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وأن له ما على الأرض من شيء إلا الشهيد؛ لما يرى من شرف الشهادة وكرامة الشهادة)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

والفضيل بن عياض الملقب بعابد الحرمين لملازمته للحرمين بالعبادة والطاعة والبكاء والخشية، أرسل له عبد الله بن المبارك وكان مرابطاً بطرسوس كتاباً يقول له: يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب أو كان يتعب خيله في باطل فخيولنا يوم الصبيحة تتعب ريح العبير لكم ونحن عبيرنا رهج السنابك والغبار الأطيب ولقد أتانا من مقال نبينا قول صحيح صادق لا يكذب لا يستوي غبار خيل الله في أنف امرئ ودخان نار تلهب هذا كتاب الله ينطق بيننا ليس الشهيد بميت لا يكذب فلما وصل الكتاب إلى الفضيل بن عياض بكى وقال: صدق أبو عبد الرحمن ونصح، ثم قال للرسول: أتكتب الحديث؟ قال: نعم.

قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا، ثم أملاه بسنده رواية من حديث أبي هريرة: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد؟ قال: لا أجد.

قال: هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟) أي: إذا خرج المجاهد في سبيل الله عز وجل فمكث شهراً أو شهرين أو سنة أو سنتين هل تستطيع أن تدخل مسجدك فتقوم في الصلاة فلا تفتر وتصوم فلا تفطر؟ (قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات)، أي: حركة الفرس تكتب للمجاهد في سبيل الله عز وجل.

وقيل: يجمع بعره وروثه وغير ذلك ويوضع في ميزان المجاهد يوم القيامة، فليس هناك عمل -عباد الله- يعدل الجهاد في سبيل الله، فهو ذروة سنام الإسلام، فأعلى التجارة وأغلاها هي التجارة بالنفس والمال لله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:١١١].

وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١٠ - ١١].

فأعلى تجارة وأغلاها هي التجارة ببذل النفس والمال لله عز وجل دفعة واحدة، وكل عمل مشروع وعبادة وطاعة لله عز وجل فهي تجارة مع الله عز وجل، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:٢٩].