[أهمية حفظ العبد لدين ربه عز وجل]
الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمة ومنة وفضلاً، فهذا عدله وحكمته وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله رحمة للعالمين، وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:٤٢].
فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه كما وحد الله عز وجل وعرفنا به ودعا إليه، وسلم تسليماً.
أما بعد: عباد الله! إن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وأن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.
روى الإمام أحمد والترمذي عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف).
وفي رواية غير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في صيد الخاطر: تدبرت هذا الحديث فأدهشني حتى كدت أن أطيش، فوا أسفاً من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه! فهذا الحديث الذي يرويه حبر الأمة وترجمان القرآن وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فيه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه عبد الله بن عباس، ومن خلاله يوصي الأمة كلها.
يقول: (يا غلام! احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) وحفظ الله عز وجل: أن تحفظ حدود الله عز وجل، وأن تحفظ حقوقه، وأن تحفظ أوامره ونواهيه.
فالواجب على العبد أن يحفظ الله عز وجل، ومن حفظ الله عز وجل أن تحافظ على الصلاة كما قال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:٢٣٨]، وكما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة).
ومن ذلك: حفظ الطهارة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن).
ومن ذلك: أن يحفظ الرأس وما وعى، وأن يحفظ البطن وما حوى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وأن تحفظ البطن وما حوى).
فمن حفظ الرأس: أن يحفظ سمعه، وأن يحفظ بصره، فلا يقع بصره على محرم، وأن يحفظ لسانه فلا يتكلم بما لا يعنيه، ولا يقع في الغيبة والنميمة وغير ذلك، وأن يحفظ فمه فلا يدخل منه طعام حرام، ويحافظ على سمعه وبصره ولسانه وجميع جوارحه.
ومن ذلك: قول الله عز وجل: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:٨٩] أي: لا يحلف العبد كثيراً، وإذا حلف وحنث في حلفه فعليه أن يكفر عن يمينه.
من ذلك: حفظ الفرج، كما قال عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:٥].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يحفظ ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة).
وفي رواية الصحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه -أي: لسانه- وما بين رجليه -أي: فرجه- أضمن له الجنة).