للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشقة ترك المعصية مع عدم التلذذ بها]

من ذلك عباد الله: أن العاصي يفعل المعاصي ولا يجد لذة للمعاصي، بل يجد مشقة في ترك المعاصي فهو يقارف المعاصي لا للذة يجدها في المعصية، بل من أجل العنت والمشقة والشقاء الذي يجده إذا ترك المعصية، كما قال بعضهم: وكأس شربت على لذة وأخرى تداويت منها بها وقال بعضهم: فكانت دوائي وهي دائي بعينه كما يتداوى شارب الخمر بالخمر فالعبد الذي يكثر من معصية الله عز وجل تكون المعاصي هيئات راسخة، فإذا تكاسل عن معصية الله عز وجل نفثت عليه الشياطين تؤزه إليها أزاً، وتزعجه إليها إزعاجاً، كما قال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} [مريم:٨٣] أي: تزعجهم إلى المعاصي إزعاجاً، وتدفعهم إليها دفعاً.

فمن يكثر من طاعة الله عز وجل يجد حلاوة الطاعة، وإذا وجد في فترة من الفترات تكاسلاً عن طاعة الله عز وجل، فإن الملائكة تثبته وتعينه وتلهمه الصواب، كما قال الله عز وجل: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأنفال:١٢].

وإن كان سبب نزول الآية في غزوة بدر، ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦].

{وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:٦٦ - ٦٩]، رفقة طيبة تأتي لطاعة الله عز وجل، وتأتي للإيمان بالله عز وجل، ومن يتولى هذا الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم، هو معهم في الدنيا بالحب والموالاة وبالطاعة والانقياد، وهو معهم بالشوق إلى لقائهم في الآخرة، وهو معهم كذلك في الآخرة، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:٦٩ - ٧٠]، أي: هذا هو الفضل من الله عز وجل، ليس المال وليس الشهوات وليس الشهرة وليس سراب الدنيا: {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء:٧٠]، كفى بالله الذي يعلم ما هو الخير لبني آدم، فالإيمان والعمل الصالح وصحبة أهل الخير والإيمان والدخول في طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم {ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا} [النساء:٧٠].

الطاعة -عباد الله- تقرب للعبد وليه من الملائكة، فيقترب منه الملك حتى كأنه ينطق على لسانه، كما أن المصروع ينطق الجني على لسانه، فالرجل الصالح يقول الكلمة من الخير فيقال: كأن ملكاًً تكلم بها على لسانه.

فإذا أطاع العبد ربه عز وجل قرب منه وليه من الملائكة ليوفقه ويسدده ويلهمه ويعينه على طاعة الله عز وجل، ويؤنس وحدته، ويذهب وحشته.

وإذا عصى العبد ربه عز وجل ابتعد عنه الملك وقرب منه الشيطان قرينه من الجن ومن الشياطين، ويوحون إليه بالمعاصي عباد الله، ويدفعونه إلى المعاصي دفعاً، ولا يدري أنه يجره إلى النار وإلى العناء وإلى البوار، فإذا كان يوم القيامة يقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:٣٨].

فينبغي للعبد -عباد الله- أن يعمل الأعمال التي تقربه من الله، وتقرب منه ملائكة رب الأرض والسماء، حتى يوفق إلى الطاعة، وحتى يعان على الثبات على دين الله عز وجل.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.