[تعريف السعادة وأوهامها]
يعرف الكاتب حفظه الله السعادة فيقول: (السعادة عند أهل اللغة: هي ضد الشقاوة، فلان سعيد، أي: ضد الشقي.
وأهل التربية وعلماء النفس يقولون بعبارة موجزة جميلة: هي ذلك الشعور المستمر بالغبطة والطمأنينة، والأريحية والبهجة، وهذا الشعور السعيد يأتي نتيجة للإحساس الدائم بخيرية الذات، وخيرية الحياة، وخيرية المصير).
ثم يقول: (أوهام السعادة! سأقف طويلاً أيها الأخ الكريم عند هذه القضية؛ وما ذاك إلا لأنها قضية حاسمة، ومهمة في تحديد مسيرة حياتنا، بل وتحديد مفاهيمنا الخاطئة عن السعادة، والتي منها: السعادة في المال).
فهو أولاً ذكر السعادة في المال وأتى بأمثلة على ذلك، كذلك أتى بأمثلة على سعادة الشهرة، ثم سعادة الشهادات، فيقول: (نتساءل كثيراً عن السعادة: هل السعادة في تكديس المال وفي جمع الثروات، وبناء العقارات والقصور؟ هل هذه هي السعادة؟ كثير من الناس يتوهم ذلك، فهذا سعيد؛ لأنه يملك الأرصدة في البنوك! وفلان سعيد، لأنه يملك كذا من الأراضي، وكذا من العمارات.
فلان سعيد؛ لأنه يملك كذا وكذا! كثير من الناس يطلق هذا الوهم بلسانه، وكثير منهم يعتقده بقلبه، فيتصرف من هذا المنطلق الخاطئ.
أقول: ليست السعادة في جمع المال، على حد قول الشاعر: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد أخي المسلم! أقف معك حول هذه القضية، أعني: قضية أن السعادة في المال؛ لأنها من أهم القضايا في أوهام السعادة، وجملة القول: ليس كل صاحب مال سعيداً، فكثير من أرباب المال وأصحاب الثروات يعيشون في شقاء وتعاسة دائمة في حياتهم الدنيا قبل الآخرة).
ويمكن أن تسألوا أصحاب المال: هل وجدتم السعادة المنشودة؟ يقول: (إنهم يتعبون في جمع المال، وفي حفظه واستثماره)، وقد يكون مشغولاً كيف يستثمر هذا المال؟ وكيف ينمّي هذا المال؟ ثم يقول: (والقلق والخوف من فوات هذا المال وزواله).
كم من إنسان يملك المليارات ولكنه خائف قلق، لماذا كل هذا الخوف؟ ولم كل هذا القلق؟ إنه يخاف على هذا المال، يخاف أن تأتي هزة سياسية، أو يأتي لصوص فيسرقون هذا المال.
إذاً: فهو يعيش في شقاء، خوف، قلق، هم، غم، بل إنه لا ينام الليل، وهذا أمر مجرب مشاهد ترونه بأعينكم، بل قد يكون المال سبب هلاكه ومماته.
كم من غني خُطف أو قُتل بسبب تجارته؟ بل كم من غني حرم من لذاته بسبب أمواله، تجده لا يمشي طليقاً، ولا يمشي حراً، لا يسافر كما يريد، لا ينام كما يريد، كل هذا بسبب أمواله؟ ثم كم من إنسان صاحب مال زال ماله، وزالت ثرواته بسبب أو بآخر، فعاش بقية حياته في تعاسة وشقاء؟