للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل العلم]

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة).

وهذا الطريق إما أن يكون طريقاً حسياً كالسير إلى مجالس أهل العلم أو الذهاب إلى عالم من أجل أن يسأله، أو إلى مدرسة مثلاً أو معهد يتعلم فيهما العلوم الشرعية، فهذا هو الطريق الحسي الذي يكون سبباً لتسهيل الطريق إلى الجنة.

وإما أن يكون طريقاً معنوياً كأن يتعاهد برنامجاً معيناً، أو يلتزم بمدارسة معينة يحصل فيها العلوم الشرعية، فمن سلك طريقاً معنوياً أو حسياً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.

والطريق إلى الجنة يوم القيامة كذلك إما أن يكون طريقاً حسياً وهو الصراط وما قبله وما بعده، وإما أن يكون طريقاً معنوياً؛ بأن ييسر الله عز وجل هذا العلم الذي طلبه، والعلم طريق إلى الجنة، فكيف يتقي من لا يدري ما يتقي؟ قال بعض السلف: هل من طالب علم فيعان عليه؟ ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده).

فهذا من بركات دروس العلم، فإنك قد تحصل شيئاً من العلوم الشرعية من شريط أو كتاب، ولكن كيف تحصل السكينة والرحمة، وتحفك ملائكة الله عز وجل، ويذكرك الله عز وجل فيمن عنده؟ فما أحوجنا إلى هذه البركات، وما أحوجنا إلى مجالس العلم التي تحيا فيها القلوب، ويتجدد فيها الإيمان، وتحصّل فيها الحكمة، ويتعرف فيها الحلال من الحرام، خاصة ونحن في أزمنة كثرت فيها الفتن والمحن، واختلط فيها الحابل بالنابل، فاستنشق الناس هذه الفتن فدخلت إلى قلوبهم من أعينهم ومن آذانهم، ومن كل حواسهم، فما أحوجنا إلى هذه المجالس الطيبة التي يحل فيها الإيمان، والتي هي أجواء الإيمان! كان أسيد بن حضير رضي الله عنه يقرأ القرآن فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعلت فرسه تنفر منها فلما أصبح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تلك السكينة نزلت بالقرآن).

كان رضي الله عنه كلما قرأ القرآن نفرت فرسه، فإذا سكت سكنت الفرس فنظر فرأى مثل الظلة -أي: السحابة- فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (تلك الملائكة)، فالمصابيح هي الملائكة وقد رآها أسيد بن حضير بعيني رأسه.

والظلة هي السكينة، فالملائكة تنزل معها الرحمات، وتنزل معها السكينة، فالصحابة رأوا هذه الغيبيات بقوة يقينهم، وهذا من الغيب الذي يمكن أن يكشفه الله عز وجل لمن شاء من عباده، وهو من قبيل الكرامة، ولا تكون هذه لمن ضعف يقينه، بل لمن عظم يقينه، كما شم بعض الصحابة رائحة الجنة، وهو أنس بن النضر فلقد وجد ريح الجنة من دون أحد، فهذا من الغيب الذي يمكن أن يطلع عليه الله عز وجل من شاء من عباده على سبيل الكرامات.

فالحاصل: أن من فضائل مجالس العلم أنها تنزل عليها السكينة، وتغشاها الرحمة، وتحفها الملائكة، وجاء في حديث آخر أن الملائكة السيارة يبحثون عن مجالس الذكر.

ومن فضائل مجالس العلم أن يذكر الله أهلها فيمن عنده، فإن من ذكر الله عز وجل في نفسه ذكره الله عز وجل في نفسه، ومن ذكره في ملأ -أي: في جماعة- ذكره الله عز وجل في الملأ الأعلى وهم الملائكة المقربون.