[ثمرات التقوى في الآخرة]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: شجرة التقوى كما ذكرنا شجرة طيبة مباركة، تثمر للعبد في الدنيا وتثمر له في الآخرة، وذكرنا الثمرات العاجلة للتقوى، وما يجنيه العبد المتقي من ثمرات التقوى في الدنيا، فما هي ثمرات تقوى الله عز وجل في الآخرة؟ من ثمرات التقوى في الآخرة عباد الله! عز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢].
فأهل التقوى عباد الله! يفوزون بعز الفوقية على الخلائق يوم القيامة، فإن أهل الإيمان يكونون فوق أهل الكفر والعصيان؛ لأن أهل الكفر في أسفل سافلين، والمتقون في أعلى عليين، والمتقون هم سادات المؤمنين، يفوزون بالفردوس الأعلى الذي سقفه عرش الرحمن.
فالله عز وجل أخبر عن الكفار أنهم يغترون بالدنيا وزخرفها وزينتها، أما أهل التقوى عباد الله! فهم يعرفون حقارة الدنيا فلا يغترون بها، بل يسعون للآخرة وللتنافس في النعيم المقيم وفي درجات جنة رب العالمين: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:٢١٢].
من ثمرات التقوى في الآخرة عباد الله أن المتقين هم الورثة الشرعيون لجنة الله عز وجل، كما قال الله تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم:٦٣]، وفي قراءة: (نُوَرِّثُ من عبادنا من كان تقياً).
فأهل التقوى هم الورثة الشرعيون للجنة، وهم الذين جمع الله عز وجل لهم بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، كما قال عز وجل في سورة الزخرف: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٣ - ٣٥].
فلولا أن تكون الفتنة شديدة عباد الله! على أهل الإيمان، لجعل الله عز وجل لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة؛ لحقارة الدنيا عند الله عز وجل؛ فهي لا تساوي جناح بعوضة، ولو كانت تساوي جناح بعوضة عباد الله! ما سقى كافراً منها شربة ماء.
فالله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، والذين يكفرون بالله عز وجل ويصدون عن سبيله ليل نهار، عندهم من زينة الدنيا وزخرفها أكثر مما عند المؤمنين، والله عز وجل يقول: {وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ} [الزخرف:٣٣]، أي: لحقارة الدنيا، {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف:٣٣ - ٣٥].
ثم جمع الله عز وجل الآخرة كلها وجعلها للمتقين، فقال عز وجل: {وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٣٥].
التقوى عباد الله! تجمع بين أهلها حين تنقلب كل صداقة وكل محبة وخلة إلى عداوة ومشاقة، قال الله عز وجل: {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧].
فالله عز وجل يجعل كل محبة في الدنيا، وكل محبة على معاصي الله عز وجل تنقلب إلى شقاوة، وتنقلب إلى عداوة.
أما محبة المتقين فإنها تزداد رابطة وتزداد قوة في الآخرة، كما قال عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧].
قال بعض السلف: إن الأخوة في الدنيا قد يكون فيها شيء من الضغائن، أما في الآخرة فإن الله عز وجل يصفي قلوب المؤمنين من الضغائن، وينزع ما في قلوبهم من الضغائن، فتصفو عند ذلك المحبة والأخوة، ويصيرون إخواناً على سرر متقابلين، ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل.
فكل محبة لا تكون لله، وكل تعاون لا يكون لله وفي الله عز وجل ينقلب إلى عداوة، إلا محبة المتقين فإنها تزداد يوم القيامة.
أهل الجنة عباد الله يساقون إلى الجنة على الركائب، كما قال الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّ