وهذا موقف لـ إبراهيم الحربي رحمه الله: عن محمد بن خلف قال: كان لـ إبراهيم الحربي ابن كان له إحدى عشرة سنة، حفظ القرآن ولقنه من الفقه جانباً كبيراً، قال: فمات، فجئت أعزيه فقال: كنت أشتهي موت ابني هذا، قال: فقلت له: يا أبا إسحاق! أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي قد أنجب ولقنته الحديث والفقه؟! قال: نعم، رأيت في منامي كأن القيامة قد قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس فيسقونهم، وكان اليوم يوماً حاراً شديد الحر، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء، فنظر إلي، وقال: لست أنت أبي، قلت: فأي شيء أنتم؟ قال لي: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا وخلفنا آباءنا فنستقبلهم نسقيهم الماء، قال: فلهذا تمنيت موته.
فهذا موقف إيماني من إبراهيم الحربي رحمه الله في الرضا بقضاء الله عز وجل.
وفي هذا تسلية لمن مات له ولد، وقد وردت الأخبار الصحيحة الصريحة بكثير من المبشرات لمن مات له ولد فصبر واحتسب، وما ذاك إلا لصعوبة الصبر والرضا في هذا المقام؛ لأن الأولاد فلذات الأكباد، والعبد لا يحب لأحد من الخير مثل ما يحب لنفسه إلا لولده.
بل الإنسان قد يضحي بنفسه ولكن يشق عليه أن يضحي بابنه.
ولذلك كان ابتلاء إبراهيم عليه السلام من أشد البلاء، فالعبد يسهل عليه أن تهون نفسه، وأن يضحي بنفسه، أما أن يضحي بولده وأن يتولى هو ذبح الولد بنفسه فهذا شيء شاق، فلله هذه النفوس التي تبتلى بمثل هذا البلاء.