[كلام السلف في المعني بقوله تعالى: (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)]
وللسلف رحمهم الله في هذه الآية أقوال: قيل: هذه الآية الكريمة نزلت في أهل الرياء، كما قال بعضهم: ويل لأهل الرياء من هذه الآية: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].
وقال بعضهم: عملوا أعمالاً فظنوا أنها حسنات فكانت سيئات، فبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة في أهل الغرور والأماني الباطلة، الذين تكاسلوا عن طاعة الله عز وجل، وتجرءوا على حرمات الله عز وجل، وأملوا أن يدخلوا الجنة ويصلوا إلى الدرجات العلى، أو لا تمسهم النار إلا أياماً معدودات.
وكما قال الحسن البصري: إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، وقالوا: نحن نحسن الظن بالله وكذبوا، أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
وقيل: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] في أهل الغرور والأماني الباطلة الذين أوقعهم الشيطان في الكبائر والمعاصي، ومد لهم حبال الأماني والغرور، والله عز وجل رد على هذا الفكر الخاطئ، فقال عز وجل: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء:١٢٣].
وقال عز وجل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:٣٥ - ٣٦].
وقال عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:٢١].
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] في أهل البدع الذين يتقربون بالبدع، ويظنون أنهم يتقربون إلى الله عز وجل، وهم إنما يزدادون بعداً عن الله عز وجل.
وقال الله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
فما ازداد صاحب بدعة اجتهاداً إلا ازداد من الله عز وجل بعداً.
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] في أناس عملوا ذنوباً فظنوا أن هذه الذنوب من الصغائر، فكانت من الكبائر، فبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون.
قال أنس رضي الله عنه: إنكم لتعلمون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الموبقات، فعلى العبد أن يعظم ربه عز وجل، فإذا ازدادت خشية العبد لله عز وجل وعظم تقواه له عز وجل فإنه يعظم حرمات الله عز وجل، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢].
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧]، في أناس أتوا بحسنات كثيرة عظيمة ولكنهم أثقلوا ظهورهم بمظالم العباد، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.
قال: المفلس من أمتي من يأتي بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقدف هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته طرحوا عليه من سيئاتهم ثم طرح في النار)، فهو يحسن الظن بحسناته، وهو غافل عن المظالم التي أثقل ظهره بها، فإذا استوفى أصحاب المظالم حقوقهم حتى فنيت حسناته طرحوا عليه من سيئاتهم فيبدو له من الله عز وجل ما لم يكن يحتسب.
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧] في أناس شاء الله عز وجل أن يناقشوا الحساب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من نوقش الحساب عذب).
وفي رواية: (من نوقش الحساب هلك).
فإن الله عز وجل إذا حساب العباد على نعمه عليهم لم تف جميع أعمالهم الصالحة في وفاء شكر بعض نعم الله عز وجل عليهم، فتبقى بقية النعم بلا وفاء، بالإضافة إلى المظالم والذنوب، فلا بد أن يهلك العبد: (فمن نوقش الحساب عذب أو هلك).
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لو أن الله عز وجل عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم).
وقيل أيضاً: نزلت هذه الآية الكريمة