[تفسير قوله تعالى: (وأزلفت الجنة)]
ثم يذكر الله عز وجل كيف يكون حال المتقين يوم القيامة، لا يقال لهم: اذهبوا فادخلوا جنة الله عز وجل، ولكن الجنة تأتي إليهم وتقترب منهم، {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [ق:٣١]، قيل: غير بعيد في الزمان، وقيل: غير بعيد في المكان.
ولا منافاة بين القولين، فهم يدخلون الجنة ولا يقفون طويلاً في عرصات القيامة، فيدخلون الجنة غير بعيد في الزمان، وكذلك الجنة تقترب حتى لا يبذلوا جهداً في الوصول إليها.
ثم وصف الله عز وجل المتقين الذين يستحقون جنة الله عز وجل بقوله: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢].
والأواب: هو الرجّاع إلى الله عز وجل، ما قال: المعصوم من الذنوب؛ لأن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، ولكن المؤمن كلما أذنب رجع، وتاب إلى الله عز وجل، فهو الذي يذنب ثم يتوب، فلا يتبع الذنب بالذنب ويستمر في غيه.
{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢]، قيل: ((حَفِيظٍ)) يحافظ على حدود الله، وعلى أوامره عز وجل، وعلى أمانته، وقيل: يحفظ الذنب ويتوب منه.
{مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:٣٣]، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:١٢].
وكما ذكر ست صفات للكافرين ذكر للمتقين الذين يستحقون الجنة أربع صفات، فقال: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:٣٢]، أي: رجّاع إلى الله عز وجل، يحافظ على طاعاته وأوامره عز وجل، {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} [ق:٣٣]، أي: يخشى ربه عز وجل بالغيب، {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:٣٣]، أي: مقبل على الله عز وجل، فيقبل على ذكر الله، وعلى الاستغناء بحبه عن حب ما سواه، وبذكره عن ذكر ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه.
{ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:٣٤]، فهم يدخلون دار السلام، والله عز وجل من أسمائه السلام، فيدخلون دار السلام، والله عز وجل يسلم عليهم، {سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} [يس:٥٨]، وكذلك الملائكة، {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٣ - ٢٤].
وتحيتهم يفها السلام كما قال تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:١٠]، {ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:٣٤]، لأن العبد إذا كان في نعيم عظيم ثم علم أنه يخرج من هذا النعيم ولو بعد آلاف السنين فإنه يتنغص عليه نعيمه، وهم إذا دخلوا الجنة ودخل أهل النار النار، نادى مناد: يا أهل الجنة! أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، ويقال: يا أهل النار! أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم.
إنه الموت وكلنا قد ذاقه، فيذبح بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت.
اللهم أعزنا بالإسلام قائمين، وأعزنا بالإسلام قاعدين، ولا تشمت بنا الأعداء والحاسدين.
اللهم بلغنا رمضان يا رب العالمين! اللهم سلمنا إلى رمضان وتسلّمه منا متقبلاً، اللهم اجعل قدوم هذا الشهر المبارك قدوم عز وبركة وخير للمسلمين عامة يا رب العالمين! اللهم ارفع فيه راية الإسلام والمسلمين، وأعز فيه الإسلام والمسلمين، وأذل فيه الكافرين والمنافقين يا رب العالمين! اللهم ارفع راية الإسلام يا رب العالمين! اللهم فرج كرب المكروبين من المسلمين، واقض الدين عن المدينين من المسلمين، وفك أسرانا وأسرى المسلمين يا رب العالمين! اللهم فك أسرى المسلمين يا رب العالمين! اللهم رد كل غائب مسلم إلى أهله وأولاده بقدوم هذا الشهر المبارك يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والغنى والعفاف يا رب العالمين! اللهم اهدنا واهد بنا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، وانصرنا على من بغى علينا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.