وهذا موقف لـ صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها عند مقتل أخيها أسد الله حمزة.
لما انهزم المسلمون بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالثبات، وانفض أكثر الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يبق حوله سوى القلائل من أصحابه، قامت صفية رضي الله عنها وبيدها رمح تضرب به وجوه الناس الفارين المنهزمين والأعداء المشركين، وتقول لهم: انهزمتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم أشفق عليها أن ترى أخاها حمزة وقد مثل به، فقال لابنها الزبير: القها فأرجعها؛ لا ترى ما بشقيقها -أي: حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه- فلقيها الزبير فقال: يا أماه! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت صفية: فقد بلغني أنه مثل بأخي، وذلك في الله عز وجل قليل، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله تعالى، وعاد الزبير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: خل سبيلها، فأتت صفية إلى حمزة فنظرت إليه وصلت عليه واسترجعت واستغفرت، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فدفن.
فهذا موقف إيماني من عمة النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب، وقد رأت أخاها وقد مثل به المشركون، ومع ذلك صبرت واحتسبت، فلله درها! وعلى الله تعالى أجرها، والمواقف العظيمة يوفق لها العظماء، وقريش هي قريش، والناس معادن كمعادن الذهب والفضة، وصفية هي أم الأسد المغوار حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وفارس الإسلام الزبير بن العوام رضي الله عنه، وسوف يأتي موقف آخر لـ أسماء شبيه بهذا الموقف.
والقصة طويلة معروفة، وهي قصة أسماء بنت أبي بكر حين قتل ولدها عبد الله بن الزبير.