[معرفة ما في سبيل المعاصي والآثام من الشرور والآلام]
السبب الثالث مما يوصل إلى تقوى الله عز وجل: معرفة ما في سبيل المعاصي والآثام من الشرور والآلام، فسبيل المعاصي كله شرور وآلام وأحزان في الدنيا قبل الآخرة، بل ليس في الدنيا والآخرة شر وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي، فما الذي أخرج الأبوين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى الدنيا دار الشرور والآلام والمصائب؟ وما الذي مقت إبليس ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه، وجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجنة ناراً تلظى، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من عينه غاية السقوط، وصار قواداً لكل فاسق وظالم ومجرم، رضي لنفسه بتلك القيادة بعد تلك العبادة والسيادة؟ فعياذاً بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك.
وما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماء رءوس الجبال؟ وما الذي أهلك عاداً بالريح العقيم:{سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:٧].
وما الذي أرسل على ثمود الصيحة فقطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب، فلما صار السحاب فوق رءوسهم أمطرهم ناراً تلظى؟ وما الذي حمل قرى اللوطية إلى السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها فجعل عاليها سافلها، ثم أمطرهم حجارة من سجيل منضود {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ}[الذاريات:٣٤]، ولإخوانهم أمثالها {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:٨٣]؟ وما الذي أرسل على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد، فقتلوا الرجال وسبوا النساء والذرية، وتبروا ما علوا تتبيراً؟ وما الذي أغرق فرعون وجنوده، ثم أرسلت أرواحهم إلى النار، فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوح ودمرها تدميراً؟ كل ذلك بسبب الذنوب والمعاصي تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعار تبقى عواقب سوء من مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار وكم من معاص نال منهن لذة ومات فخلاها وذاق الدواهيا تصرم لذات المعاصي وتنقضي وتبقى تباعات المعاصي كما هيا فيا سوأتا والله راء وسامع لعبد بعين الله يغشى المعاصيا فإذا تدبر العبد الشرور والآلام التي تترتب على الذنوب والمعاصي في الدنيا قبل الآخرة، لا شك أنه سوف يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على معصية الله عز وجل، وعلى خلاف تقوى الله عز وجل.